الجمعة، 15 يوليو 2022

في الشوارع الخلفية ....بقلم الأديب معاد حاج قاسم

 في الشوارع الخلفيّة .. 

=====================              في الشوارع الخلفيّةمن تلك المدينة تؤَجل الأمنيات وتموت الأحلام تباعاً..هنا تموت الأجنّة في بطون أمهاتها..فقراً وتخلّفاً وقلّة حيلة..ومشافٍ لا مكان للفقراء   فيها...أمّا مريم . فقد كانت تتحدّى كل ظروف القهر والذّل التي فرضها الإحتلال ..لذلك فقد أنجبت إبنها في بيتها وأرضعته من صدرها ولم تدخل مشفى أو تقابل طبيبة..

في كلّ يومٍ ..وقبل شروق الشمس..تخرج مريم تحمل رضيعها ملفوفاً على ظهرها..تسوق أمامها شاتين وماعز واحدة..يقضمن الأعشاب الخضراء واليابسة من على أطراف طريق زراعيّة..متعرّجة ترسم على ضفتيها .. حدود حقولٍ  لأصحابها ..

هنا .. لا وقت محدّد للموت..فحواجز الإحتلال تنتشر في كل مكان..ودورياتهم المسيّرة تجوب الحقول ..ومريم تُمسك عودها الطويل تهشُّ به على قطيعها الصغير .. تمنعها من التوغّل في حقول الأهل والجيران ..لتكون لقمة عيشها من حلالٍ صافٍ ..

شهوراً وهي تداوم الرعيَ على ذات الطريق الترابيّ..ألِفها أصحاب الحقول وفراشات تحوم فوق رأس صغيرها فرِحةً بوجهه الصبوح ..وزقزقة عصافير تتناغم مع بعضها في السماء..تتكوّر حول بعضها .. تتفرّق..تتاَلف..وصغيرها يتابع هذه المشاهد .. وزرقة سماء في عينيه واخضرار سنابل..وتفتُح وردٍ على خديه ...وشمس تُطلّ بقامتها هويناً ..هويناً..ونسمات هواء ورائحة الأرض .. وطعم خبزٍ  وزادٍ.. يتفتح القلب له ..

شهور وشهور .. وهي تتحدّى القهر ، تتجاوز الرعب و عتبات الخوف..وٱلة غدرٍ غبيّة...

وفي يوم الثلاثاء من نفس التوقيت .. وقبل ٱذان الظهر تماماً ..كانت طلقة رصاص مقصودة لجنديّ صهيونيّ لئيم حاقد ..استقرّت في رأس مريم .. مريم قتيلة غدرٍ تتخبّط بدمائها..جثة هامدة ..عيونها شاخصة نحو صغيرها...كان يراقب كل شيء..ويفهم كل شيء .. ويدرك أن هذه الجنازة لأمّ الشهداء ..وأنها لن تعود إليه لترضعه بعد اليوم...ويرى دموع النساء وقهر الرجال يمزّق صدورهم وثورة شباب لاتوصف...وأنه لن ينسى قاتل أمّه ..طوال حياته.

بقلمي.

معاد حاج قاسم.سورية.

29/5/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق