الكبش 60
قلت لهم أنا الآن آكل من الكبش الستين .. قيل لي إن كل هذه الكمية من اللحم وأخرى جعلتك تتغير يوما عن يوم .. فأنت لم تعد كما كنت من ذي قبل .. يبدو أنك تقدمت في السن وأصبحت رجلا كبيرا .. وتوقفت عن كل جميل كان يحبه الناس فيك .. أنت أصبحت ما تريد أن تكونه وليس كما يردونك هم أن تكون .. توقفت عن السعي للحصول على قبول الناس عليك .. وتركت لهم وراءك كل المرايا الكاذبة التي كنت بها تخدعهم بلا رحمة .. لكن ، في حقيقة الأمر ، أنا لم أتقدم في العمر بالرغم من أني أكلت من الذبيحة ال60 .. بل ما زلت أميز بين الأماكن والأشخاص والعادات والأيديولوجيات وكثيرا من الأشياء كما كنت من قبل أو أحسن .. صحيح أني تركت لهم العلاقات الزائدة وآلام الأرواح والقلوب .. ولكن ، ليس هذا بدافع الغبن أو المرارة أو السن وإنما للحفاظ على الأمن والأمان بشكل جيد .. توقفت عن السهرات التي علمتني الإرهاق والأرق .. وتوقفت عن أكل الدسم .. ثم ، أبعدت عني كل الصور النمطية المفروضة ، وتوقفت عن إخفاء جراحي التي كنت أتداولها بين الناس لأزين روحي .. واستبدلت كل شيئ بفنجان قهوة وحيدا أو مع من هم في مثل سني .. إني ما زلت أحمل في قلبي حنان الشرنقة التي لا توسع جناحيها إلا لتطير نحو مواقع أخرى لتوزع ابتسامة هادئة تنظر بها إلى الحياة ببساطة .. سأراهن بكل وقتي على الأشياء غير الملموسة لأعيد كتابة قصصي من جديد لأعيد اكتشاف العوالم المخفية ..
بعد 60 عاما من القدسية واحترام العادات والتقاليد .. لا أنسى أيضا ، وفي كثير من الأحيان ، أني قد أسأت إلى غيري ، وضربت بهم اللوم العنيف .. وكذلك ، تجاهلني البعض بتحديق مستفز وهم غير مبالين .. إنها ندوب سرية فيها عجائب تدهشني .. وأريد أن أقدم لنفسي هدايا فريدة أنفع بها جسدي .. أرسم الزهور والأنهار على بشرتي ، وأعرفه بأحلام النجوم .. هذا الجسد كان مخلصا لي على الرغم من عذابات نفسي التي ألمت به .. وهو أيضا قد تقبل مني كل حبي العميق له .. إني كثيرا ما اعتنيت به لأنه احترم وجودي وأوقفني على قدمي بعد أن مكنته من أكل 60 كبشا .. لا يمكنني التفكير أو المشي بدونه .. إنه هو من سمح لي بالنمو على أحسن حال .. وإني لأتودد إليه كل يوم ليسمح لي على العنف الذي واجهه مني .. وأشكره أيما الشكر لأنه قدم لي العديد من التضحيات بسبب الحوادث التي مررت بها من أجل إنقاذ حياتي : نذهب معا ، نعيش معا ، نفكر معا ، ويغض النظر معي عن العديد من الاشياء ، ويتقدم معي في العمر الى نهاية محتومة ..
إنه من غير المجدي قضاء الكثير من الوقت في هذه الحياة لمحاولة فهم "سبب" ما يحدث لك .. فلا أحد يطلب منك أن تفهم الحياة ، بل أن تعيشها أفضل لك .. إنك لست مسؤولا عما يحدث لك ولكنك مسؤول عما ستقوم به في أصعب اللحظات في حياتك .. توقف إذن عن الشك في قوتك ولا تمنح شكوكك القوة لتتغلب عليك .. تذكر أن الحياة لن تمنحك أبدا ما تريد ولكنها تمنحك ما تحتاجه لتنمو فقط .. وعندما تحتاج إلى القوة ، ستجعل أمامك صعوبات جمة لتجعلك أقوى .. أما إذا كنت تحتاج إلى الشجاعة ، فستقدم لك الحياة مخاطر عدة للتغلب عليها .. فأنا لست في حاجة الى القوة واللياقة فقط ولكن في حاجة الى الشعور بالسعادة ومعرفة ما هو أفضل في المستقبل .. فأنا الآن تيقنت أنه للوصول إلى الفرح الحقيقي ، علي أن أمر بالمعاناة من خلال تجربة الألم الشديد .. وأنصحك بأن عظمتك لا تُقاس بقوتك وصغرك ، ولكن بتفكيرك وتمعنك أمام وقائع الحياة وكذا جدالك الكبير في فلسفة وجود كل الأشياء في هذا الكون سواء بالعقل أو بالحكمة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق