♠♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ ♠ ♠♠
♠ ♠ ♠ بنت الجيران♠ ♠ ♠
♠ ♠ جلس في مكتبه يقرأ في مذكراته ، فقد تعود منذ إتقانه للكتابه أن يكتب مذكراته ، وكانت في بداية الأمر سطوراً قليلة وعبارات قصيرة ، إلا أنها كانت رغم بساطتها وقِصرِها ، تعكس ما يدور في نفسه ، وجد أنه كان يكتب عن كل شيء يحيط به ، ويصل اليه نظره وفكره ، كتب عن بائع الفول الذي كان يقف بعد الفجر ، على الناصية المقابلة لبيته وينادي بصوتهِ الحنون ، (إن خلص الفول أنا مش مسئول) ، وكتب عن بائع للشاي ، وقد إتخذ من زاوية في الشارع مقراً له يبع منه الشاي ، حتى بنت الجيران الحبيبة الخالدة في وجدان كل شباب جيله ، والتي كانت تقف في البلكون بدلال لافت ، لا يخلو من الحياء ، يأخذ بألباب العاشقين الصغار ، وكان قد كتب أيضاً عنها ، وكتب عن العلاقات بين الجيران ، وكيف إذا حضر عريس لأي بنت من بنات الجيران ، كان جميع الجيران يسارع إلى بيتها ، ويسأل عن الناقص حتى يكتمل ، وكيف حَمْلته أمه ذات يوم ، الطقم الصيني الغالي ، لكي يوصله إلى الشقة المقابله لأن الليلة عريس سيأتي إلى أنجيل الرقيقة ، وكيف كان الجيران يجتمعون في بيت أحمد أفندي ، موظف الأوقاف حتى يتم مصالحته على زوجته التي كانت على خلاف دائم معه ، وكيف تأخذ الجيران أولاد الساكن الذي أجبرته الظروف للسفر إلى بلدته للعزاء في قريب له مثلاً ، وكيف إجتمع كل سكان العمارة في الكنيسة القريبة من المنزل ، يوم وفاة ماري بنت اسحاق أفندي بعد أن صدمتها سيارة أمام البيت ، وكتب حتى كلمات القسيس الذي تكلم في العزاء ، والحاضرين أكثرهم وإن كانوا جميعهم مسلمين بما فيهم الشيخ عبد الرزاق شيخ الجامع بجلبابه المميز ، قال القسيس هذه هي مصر التي نعرفها ونعيش فيها ويتسع قلبها لنا جميعاً بالحب ، وكيف أرسلته أمه مع كل أولاد وشباب العمارة ليحولوا المياة من حنفية الجراج أسفل العمارة ، يوم أن قطعت المياه عن العمارة بسبب بعض الإصلاحات في الشارع ، وحمل معهم حلل الماء إلى السكان حتى لا يحتاج أحدهم مياه ، وكيف كان الجيران يتبادلون الكحك في الأعياد الإسلامية والمسيحية واليهودية ، وكيف كان إستعارة البصل والثوم والزيت حتى الخبز من بعضهم البعض ليس عيب ولا يسبب الخجل ، حتى أن كلمة (الناس لبعضيها) كانت سائدة ، عندما يعترض أو يخجل البعض ، وكتب مرة أن لاخته قطه رومية كبيرة الحجم ، كانوا يسمونها روزينا الخواجاية ، وكان الجزار الذي يأتي لهم باللحم يجمع بقايا تنظيف اللحم ويرسلها بعد العصر مع صبي له ، وكان ينادي من منور العمارة فإذا خرج له أحد يقول أكل الهانم القطه ، وكانت أخته تأخذ لفة طعام القطة بالسبت بعد أن تعطيه ربع جنية ، وفي مرة بينما السبت ينزل إصطدم بيد جاره بالدور الثاني وكان في يدها قنينة عطر سقطت على الأرض وأنكسرت ، فلما قالت أخته لها أنا أسفه ، ردت الجارة وقالت فداء عيونك يا حبيبتي ، أخذت الشر وراحت ، والغريب أن والدته لما نزلت إلى الجارة لتعوضها عن هذه الزجاجة ، إذا بالجارة تقسم بكل الإيمانات ألا يكون هذا وقالت لأمي إن بنتك مثل بنتي ، كتب كل هذه المُعايشات بلا حرج ، وكتب كنا نعيش وكأننا في فيله تتكون من 40 شقة ، وكتب في مرة أن أمه أخذته للفررجي لشراء حمام كما كان هو وأخواته يحب الحمام خصوصاً وهو محشو فريك ، ووجدت رجل يمسك بخمسة من أولاده ويريد أن يدفع بنفسه وأولاده تحت الترام لعجزعه عن الإنفاق عليهم ، مما دفع الأم يومها إلى أن أفرغت كل ما معها من نقود في كيس النقود للرجل وقالت له إتقي الله ، وهو سيكفيك ، ورجع وأمه إلى البيت بلا شراء ، مما جعله يفكر في هذا الأمر ، أن يفضل الإنسان الأخرين على نفسه ، وظل يقرأ والإبتسامه لا تغادر وجه ، وأتته فجاءة صوت أغنية كانت قناة التليفزيون (ماسبيرو زمان) التي يعشقها تذيعها للمطرب عبد العزيز محمود (أمانه عليك يا ليل طول وهات العمر من الأول) ، إتسعت إبتسامته وأغلق كتاب مذكراته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق