حاجز التفتيش
( ابن المخيم )
فجأة ..
أوقفنا حاجز طيار
حطّ قبالة ناظري
وعسكريّ ..
عليه لامته ( لأمته)
أومأ بخوذته
ورأسه معها
تقدّم تجاهي
وصوبي
و أجاء لناحيتي
على عجل
وبكلتا يديه بندقية
أشار بالكل
وبإصبعٍ ألقى على الزناد متأهّبا
في الحرب .. لكأنه
وحسبته
أو بساح الوغى ترينه
ورأيته
على رِسْلِكم .. قال
ثمّ .. أردف
بتنحّوا ..
مدّ باصبعه
أو يده عليّ
فما عدت أدري
بعد أن أطلّ برأسه
أو بكلّيته من نافذة السيارة
قال لي ..
أنت
قلت أنا ؟!
قال انزل
تعال
تقدم
ثم استطرد قائلا
من أي البلاد أنت
قلت ..
من المخيم
قال لي
وأين يقع هذا المخيم
فقلت ..
بجانب المقبرة
من جهة الشمال
ومن الجهة الأخرى جنوبا
إعاشة التموين
والخزان
والجدار
والحجار ..
ومن الثنتين الأخريين
قفص اتهام
وسجن
ومنفى
ومشنقة ..
ومقصلة ...
وألف مكعب
من الإسمنت
معوجّة
وممتدة
بلون القهر
والحرمان
والآه
والوجع
ثم ..
يأتيك .. المخيم
ثم تابع قائلا
ما اسمك
قلت مخيم
قال أبوك
قلت .. مخيم
فتمعّروجهه
وقطّب حاجبيه
حنقا علي
وقال لقد أضجرتني
مخيم
مخيم
مخيم ..
فقلت ..
وما لي غيرها
يا سيدي
حتى أقوله
غير الذي قلته
وقد حاصرتني
في بقعة ضيقة
لا تجاوز علبة سردينٍ
أو طون ..
أو لحمة
عذرا ..
بالمخيم
وقلت لي يومها
لا تنبسّ ببنت شفة
لا تتحرك ..
ومنعتني يومها
عن الإعمار
إن بالرأس
أوالأفق
وحظرتني
عن التجوال
والعمل
وكيت وكيت
والإدخال لثياب العيد
و اللعب
ولا أدري يا سيدي
إن عندنا أعياااد
ونشرب مثل الناس
أو نأكل
...
وقلت لي وقتها
إنك ..
من العالم الرابع
إنك ابن المخيم ...
قلت له ..
لست من نهر البارد
عفوا ..
من النهر الحامي
حمأة الدم المهراق
الدم الجاري الذي سال
عفوا
ولست ..
من عين الحلوة
ولا من المئتين
المية
تردفها مية
قبل
ولا بعد
أو ..
من المنفى أجأت خلسة
عليكمو وإليكمو
أو دلفت من كوّة ..
فأنا من ذاك .. المخيم
قال ..
لقد فتحت لك فرجة
وفتحة معها
كي ما تسافر
أو تهاجر
أو تقامر ..
المهم أن ترحل
فآليت على نفسك
واستكبرت جاحدا
قائلا لا ..
ولاء ..
ولاء
وبعدك ..
ما زلت ترددها
وتسمعني صداها وإياها
فمالك عليّ بعدها الآن
غير أن تنزل
إلى درك الطريق
وأدر بظهرك ناح الجنوب
ولا تتنفّس
فإياك
ثم إياك
ولا تاخذ شهيقا
و لا تلفظ زفيرا
و لا تغمض عينيك
حتى
كذا ..
لا تصلي
ولا تدعو
وإياك أن تصرخ
وأن تقول آه كذا
وإن صرخت
فمن .. يسمع
كذا
ولا تتشهد
إنك .. بهاته الساعة
سوف تعدم وت م و و و ت
قلت ..
وما جريرتي
يا سيدي
وما ذنبي بربك
أنبئني
أخبرني
عن جريمتي
قال يكفي بأنك فلسطيني
من فلسطين
فهذه وحدها
تكفيك
وتكفيني
وزيادة
أنك من مخيم ..
عندها
غرست أصابعي بالجدار
لكي لا أسقط بعد قتلي
ولأظلّ كالطود
شامخاً
واقفا
وللأجيال سيرة
تُدرّس
وتُعلّم
وصرخت بأعلى صوتي
لما علمت بأن لامناص لي أو حيلة ولا مهرب
وفيه أي صوتي حشرجة من بكاء
انفني
أو اقتلني
وإرباً
قطع لحومي
وأعظمي
هتّك بقاياي وثوبي
فلسوف آتيك كابوسا
في بواكير الصباح
وكلما ليل جنّ عليك
وخيّم ..
فأزل عن عينيّ الحجاب
وعن فيهي خميصة الثوب المهتّك
ومن يدي القيد أزله
والجنزير عن قدمي
ودعني ..
دعني أصلي لله ركعة
وبعدها أدعو
دعني أقول شيّاً لربي
قبل موتي
غير هيّاب منك
ولا متوجّس أبدا
ولا خوّاف
فأنا الفلسطيني
في منافيكم
وأنا المقتول
و المذبوح أنا
أنا المسجون
والمقهور أنا
أنا أضحية العيد
أنا من بيع بأمس
وأنا من يشترى اليوم
وأنا المعذّب
والمشرّد أنا ..
أنا ..
من شربتم نخب ميتته
سَكَراً أنا
أنا ..
من بيتي تهدّم
أنا الذي
لم ترنِ عدسات الكاميرا
أناجنين الثانية
أنا صبرا
وشاتيلا
أنا غزة ..
والقدس أنا
أنا هجعة الليل
وأزيز الرصاص أنا
أنا دويّ القنابل
أنا رائحة البارود الملطّخ بنفطكم المسافر ..
أنا الهواء
أنا الغبار
أنا الرماد
أنا الدمار
أناسوادالنهار الملبّد
بالقذائف
و أنا الخراب
أنا اليرموك
أنا الشااااام
أناالآه
أنا الصراخ
أنا يد امرأة
وبطن حبلى
وجنين تقطّع
أنا رِجل لعبة طفلة ماتت
أنا بسمة وقهقة تعالت
أنا ضحكة رسمت على وجه الشمس وعلى سحنة السماء المكفهرّة
أنا الهوية الزرقاء
وبطاقة التموين أنا
أنا الطحين
أنا السردين ..
أنا
أنا المخيم
فبالله عليكمو يا أحبّتي
إن مِت قبل عودتي ... بسويعة
ألاّ تدفنوني بغير ذاك
أو ..
هذا المخيم
وان تجعلوا شاهدي قبري
مفتاح عودتنا
وعلى الآخر منهما
أن تكتبوا سيرتي بدمي
وحيفي
وظلمي
ووجيعتي
وآهي
من بني قومي
كان جلّها
وأكثرها
نكبة
نكبة
نكبة
وأن تمهروها بصورتي
تردفها عبارة
ابن المخيم ..
..
ويا من تمر بقبري يوما
اعزف بوجهك وعني أشحه
واقرأ بقلبك ، يكفي
ولا تظهر قذاك
ودمعك
لئلا ..
يصيبك ما أصابني ..
ف تعدم ..
ابن المخيم ..
أبو آمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق