الجمعة، 2 يوليو 2021

حصير الشوك الجزء الثاني ... للشاعرة والأديبة التونسية سمية مسعود

 



اعتلى " النمس "مصطبة خشبية عفا عليها الدهر أمام دكان "السكليست" وهو يمرر النظرات النارية بين هاتفه الثقيل وحركة المارة الباهتة وهتافات الرواد المتقطعة في سعي محموم للإلمام بتلافيف ما يحدث حوله وكأنه ينتظر حدوث شي ء ما لا يدرك دواعيه إلا هو .. وفي ذات الآونة يطل "بوفلس " من عقب النهج بقامته الفارعة وجذعه الخاوي ويرن هاتفه رنات قوية متقطعة فتحين منه التفاتة إلى صاحب المكالمة دون أن يهمل حركة الوافد إليه وبين الرنات الملحة ومعدل سرعة رجلي" بوفلس" تناسب طردي جعل هذا المديد يقف قبالته تماما مع أول حرف يخرج من جهازه الجوال:" آه! وينك ما ظهرتش " .

يتوسد النمس الهاتف بجانب رأسه الأيمن وهو يرفع رأسه ليلتحق بقمة هذا البنيان الجسدي الذي يرفرف بظلاله ويحد من أفق نظراته وقد انعتق هيكله الهزيل من قيود النطاق فبدت أطرافه السفلية من سروال "الدنقري" كوتد ارتخى حوله نسيج الخيمة أو كدقل لحفه الشراع في هبة ريح معاكسة بينما توازنت ذراعاه في استقامة منكسرة حول خاصرته وقد انفرجت شفتاه عن طاقم مصدّد من الأسنان لم يحافظ من صفاته إلا على موقعها الأصلي من وراء الشفتين وما لبث أن ساند صاحب المكالمة صادحا بصوت إذا حاولت أن تبحث له عن صدى لغمزتك الذاكرة مشيرة إلى قرقعة الحجارة على البراميل الفارغة وهو يقول :" هكه لازم اتعبني " . وبين صوت بعيد وناقوس شديد انكفأ " النمس " حول نفسه برهة كمن يستجمع شتات تفكيره ثم انتفض ليسعى وراء هذا القطار الآدمي الذي لن يتوقف ركابه إلا عند "النوري عبيش ".

ص2


يتبع....
سمية مسعود /تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق