ينهي" النمس" غذاءه وهو يتمطق في استحياء وسهام نظر "النوري" تحاصر لقماته وتعدّ جرعة الماء التي احتاجها أكثر من مرة لترخّص استمراءه للطعام وهضمه للّحم وهو على يقين أن "النوري" ما دعاه إلا إلى ما دار بينه وبين "منذر" يوم الأمس .
_صحة وبالشفاء .
_بارك الله فيك سي النور ي.
_إي وينهم الجماعه ؟ تأخروا علينا .
_صحيح أما انت تعرف التحضيرات صعبه .
_والله .... الريح عاتيه ! في يديك يوميْن مهلة : نظف المكان وهات لي المفاتيح .
- حاضر سي النوري ..
غادر "النمس" منزل عبيش بعد أن غسل يديْه في حوض صغير في فناء المنزل وعينيْه تطوفان جيئة وإيابا لكن دون جدوى.
و أثناء عودته يلتقي "فتحي" ب"المنذر" الذي تمنى لو أشاح بوجهه كي لا تلتقي أعينهما.
فتحي :لما لم تأت ؟ انت حقا ممل ! .
المنذر: أووف يا فتحي . اتركني وشغلي .
يحدجه صاحبه بنظرة اشمئزاز و يستأنف :
"كنت أعلم صدق حدسي ، لقد رجعت عن عزمك كالمعتاد ويْح قلبي من أجالس ؟و على من أعتمد في قضاء شؤوني أنا "فتحي الشطراوي"! . هذا السلوك ليس بغريب عنك. ألم تدفع ب"لمياء" إلى الهاوية؟ أولم تغدر حبها وتقتل أملها؟!. كم أشفق عليها ؛ لقد نحرت عشقها وجعلت دمائها تسيل تحت عرش "عبيش" لتكون زوجا له ؛ جسدا بلا روح .هل ستكون أرحم بي منها. يا لك من غادر !.
_اخرس يا فتحي! اخرس!.
تنزل هذه الكلمات على قلب "المنذر "كالمشرط فيترنح دماغه ككجة خفيفة في مياه الملاحة.
"المنذر" إنه وحيد أمه التي صارعت من أجله طغيان المحن وقهر الزمن. هو شاب ترتخي على غرته خصلة شعر سوداء تأبى الانزياح يمنة أو يسرة وكثيرا ما تستقر بين ناظريه كريتاج من الحرير الخالص. لعل صاحبنا جعل منها إبرة بوصلته كثيرا ما عدل بها وجهة اختياراته فتراه يمرر يديه من أواخر رقبته إلى ناصية رأسه وهو يشبكها باحكام لتستقر على عينيه كحاجز واقٍ ممن يحيط به من مخلوقات. على خلاف ما تمثله في فترات لهوه أو انفتاحه على قبس من قبسات الأمل أو لفحات من فرح. فتراه يرفعها ويشكلها بالتواءات لولبية عنيفة وبكلتا راحتيه أيضا .
هو شاب معتدل القامة ينبسط صدره في غير سمنة وتتقلص عضلاته في غير قوة، طالما عشق اللون الأسود وهجر ما انشر من ألوان في ما يرتديه الناس من ثياب. لا يغيب عن جسده السروال صيفا وشتاء كما قل أن تراه واقفا أو ماشيا دون أن يضع كفّيه في جيوبه وكأننا بالرجل يرفض الانصياع حتى إلى توازنات الجسم أو مشية الانفعال. وكأنه يعانق كبرياء نبت طلعُها منذ أن أصبح المتعلم الوحيد في زنقه " سيدي بولبابه "أو بالأحرى الجامعيّ الوحيد في كامل حيّه حيث يذكر أن مناسبة إحرازه على شهادة البكالوريا كانت فرحة للحي بأسره وأخصّهم الخال الذي ألزم نفسه امام الملأ بمصاريف الدراسة الجامعية وهو يربّت على كتفه قائلا :" إنه محامي العائلة،إنه فخري بين العروش" . دون أن يخطر على باله أنه أول من سيسعى إلى مقاضاته ليسترد حق والدته الأرملة في الميراث .
كما انتشى هذا البذر في ذاته المنكسرة منذ طفولته التي ما خبر فيها سوى حذاء واحد لا يدري كيف حوى قدميه رغم تفرع عوده عبر السنين ، انتشى وازهر بإقبال الناس على منزله فرادى كانوا او جماعة كي يفسر لهم ما استعصى عليهم من تعاملات إدارية او مكاتيب شخصية أو......
يتبع ص4
_صحة وبالشفاء .
_بارك الله فيك سي النور ي.
_إي وينهم الجماعه ؟ تأخروا علينا .
_صحيح أما انت تعرف التحضيرات صعبه .
_والله .... الريح عاتيه ! في يديك يوميْن مهلة : نظف المكان وهات لي المفاتيح .
- حاضر سي النوري ..
غادر "النمس" منزل عبيش بعد أن غسل يديْه في حوض صغير في فناء المنزل وعينيْه تطوفان جيئة وإيابا لكن دون جدوى.
و أثناء عودته يلتقي "فتحي" ب"المنذر" الذي تمنى لو أشاح بوجهه كي لا تلتقي أعينهما.
فتحي :لما لم تأت ؟ انت حقا ممل ! .
المنذر: أووف يا فتحي . اتركني وشغلي .
يحدجه صاحبه بنظرة اشمئزاز و يستأنف :
"كنت أعلم صدق حدسي ، لقد رجعت عن عزمك كالمعتاد ويْح قلبي من أجالس ؟و على من أعتمد في قضاء شؤوني أنا "فتحي الشطراوي"! . هذا السلوك ليس بغريب عنك. ألم تدفع ب"لمياء" إلى الهاوية؟ أولم تغدر حبها وتقتل أملها؟!. كم أشفق عليها ؛ لقد نحرت عشقها وجعلت دمائها تسيل تحت عرش "عبيش" لتكون زوجا له ؛ جسدا بلا روح .هل ستكون أرحم بي منها. يا لك من غادر !.
_اخرس يا فتحي! اخرس!.
تنزل هذه الكلمات على قلب "المنذر "كالمشرط فيترنح دماغه ككجة خفيفة في مياه الملاحة.
"المنذر" إنه وحيد أمه التي صارعت من أجله طغيان المحن وقهر الزمن. هو شاب ترتخي على غرته خصلة شعر سوداء تأبى الانزياح يمنة أو يسرة وكثيرا ما تستقر بين ناظريه كريتاج من الحرير الخالص. لعل صاحبنا جعل منها إبرة بوصلته كثيرا ما عدل بها وجهة اختياراته فتراه يمرر يديه من أواخر رقبته إلى ناصية رأسه وهو يشبكها باحكام لتستقر على عينيه كحاجز واقٍ ممن يحيط به من مخلوقات. على خلاف ما تمثله في فترات لهوه أو انفتاحه على قبس من قبسات الأمل أو لفحات من فرح. فتراه يرفعها ويشكلها بالتواءات لولبية عنيفة وبكلتا راحتيه أيضا .
هو شاب معتدل القامة ينبسط صدره في غير سمنة وتتقلص عضلاته في غير قوة، طالما عشق اللون الأسود وهجر ما انشر من ألوان في ما يرتديه الناس من ثياب. لا يغيب عن جسده السروال صيفا وشتاء كما قل أن تراه واقفا أو ماشيا دون أن يضع كفّيه في جيوبه وكأننا بالرجل يرفض الانصياع حتى إلى توازنات الجسم أو مشية الانفعال. وكأنه يعانق كبرياء نبت طلعُها منذ أن أصبح المتعلم الوحيد في زنقه " سيدي بولبابه "أو بالأحرى الجامعيّ الوحيد في كامل حيّه حيث يذكر أن مناسبة إحرازه على شهادة البكالوريا كانت فرحة للحي بأسره وأخصّهم الخال الذي ألزم نفسه امام الملأ بمصاريف الدراسة الجامعية وهو يربّت على كتفه قائلا :" إنه محامي العائلة،إنه فخري بين العروش" . دون أن يخطر على باله أنه أول من سيسعى إلى مقاضاته ليسترد حق والدته الأرملة في الميراث .
كما انتشى هذا البذر في ذاته المنكسرة منذ طفولته التي ما خبر فيها سوى حذاء واحد لا يدري كيف حوى قدميه رغم تفرع عوده عبر السنين ، انتشى وازهر بإقبال الناس على منزله فرادى كانوا او جماعة كي يفسر لهم ما استعصى عليهم من تعاملات إدارية او مكاتيب شخصية أو......
يتبع ص4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق