الأحد، 2 أكتوبر 2022

قصة بعنوان ليتني مت ...بقلم الأديبة سماء ناهض الأعرج


 قصة بعنوان:ليتني مت ولم أفعل ذلك

💞الجزء الأول

في يوم من الأيام كنت أقوم أنا ورفاقي  بالتنمر على شاب فقير اسمه حسن، لِنسرق منه المال، وعلى الرغم من الكثير من المحاولات والضرب المبرح الذي ألحقناه به، إلا أنه كان يرفض إعطائي المال ويرجوني أن أتركه قائلاً بأنه بحاجة ماسة للمال، ولا يملك غيره ،لكني لم أبالي بكلامه وأخذت المال منه بقوة، وهممت ذاهباً والإبتسامة تعلو وجهي ،لكن يداه استوقفتني معلقتان بقدمي وهو يرجوني بأن أعيد المال إليه ،إلا أنني نفضت يداه عن قدمي بقوة قائلاً له ضاحكاً:إذا كنت تحتاج المال فأنا أحتاجه أكثر منك ،فعلي شراء جرعتي ،وأدرت ظهري له تاركه ورائي ،لكنه صرخ قائلاً لي :(يوماً ما سيجعلك الله تندم ،يوماً ما ستفقد شخصاً عزيزاً عليك جزاءً بما فعلته،في ذلك الوقت ستتذوق ألمي وتتجرع من كأسي ،عسى الله أن يجازيك أضعاف ألمي).

هذه الكلمات هزت كياني ،ودبت الرعب في داخلي ،لكني حاولت تماسك رباطة جأشي متصنع الضحك أمام رفاقي ،وأكملت طريقي.

مضي حوالي شهر على ذلك اليوم ،لكنني في كل ليلة تراودني الكوابيس وأستيقظ من النوم مفزوعاً من كلماته ،حتى أصبحتُ مؤخراً آراه أمامي شبحاً وكنت أصرخ بأعلى صوتي ويسألوني ما الأمر ،لكن ماذا أجيبهم فهم لا يعلمون بأفعالي الفظيعة ويظنون بأني شخص طيب ويدللوني فأنا وحيدهم ،وكانوا كثيراً ما ينصحوني بأن أبتعد عن رفاق السوء ،وأن أصلي وأقرأ القرآن ،ولكني في كل مرة أتجاهل الأمر وأغلقت الموضوع مدعياً أنه علي الدراسة ومشغول.

وفي اليوم التالي ذهبت إلى الحارة التي يقطن حسن فلقد عزمت على إرجاع أمواله ،والتخلص من تلك الكوابيس المزعجة ،فسألت بائع الكعك بأن يدلني على بيت حسن،ولكن البائع ما إن سمع إسمه حدث بي وتغيرت ملامحه مئة وثمانون درجة من وجهٍ مبتسم إلى وجه يملَئه الكآبة والحزن ،وقال:لا حول ولا قوة إلا بالله ،ألم تعلم يا بني ماذا حدث مع حسن وعائلته ،قلتُ : لا ،وماذا حدث،أخبرني ياعم.

فقال لقد مات....

هذه اللحظة أحسست بأن قلبي توقف عن النبض...

فقلت له مستنكراً ما سمعته:ماذا....كيف....ومتى......ولماذا.....أخبرني أرجوك ياعم بكل ما تعرفه .

فأخبرني بكامل ما حدث ،بأن حسن شاب فقير يعمل في حمل أكياس الحبوب(عتالْ) ليصرف على أمه وأخته ،ولكن مؤخراً مرضت أمه مرضاً شديداً،وكانت تحتاج إلى عملية فورية ولكن المال لم يتوفر معه ،فذهب إلى صاحب العمل مترجياً أن يعطيه المال ديناً يسدده لاحقاً ،،وكان صاحب العمل كبيراً في السن وحقيراً، وافق على إعطاءه المال مقابل أن يتزوج أخته الصغيرة،فرفض حسن لأنه لن يجعل من أخته صفقة،ولكن لم يكن باليد حيلة فهو بحاجة إلى المال فوافق بشرط أن يحاول سداد الدين خلال شهر وإذا لم يستطع سيتزوج صاحب المحل أخته ،وبعد ذلك أخذ حسن المال قاصداً المشفى لإجراء العملية لأمه حتى إلتقيت به وأخذت المال منه وبعدما حدث بيني وبينه ،ذهب إلى المشفى وعندما وصل نال خبراً كالصاعقة على قلبه يكاد يحطم الصخر 😔😔

خبر وفاة أمه جعله ينهار أرضاً مغمى عليه من اثر الصدمة وبعد أسبوع من إنتهاء مراسم الجنازة ودفن أمه ،بدأ حسن بالعمل ليلاً ونهاراً ولا يكاد يلتقط أنفاسه من عمل حتى يبدأ بعمل آخر ،ويعود للمنزل متصبباً عرقاً،ومنهك لا يقوى على تناول الطعام لكنه لم يشكي لأنه لازال  ينظر لأخته بأنها أمله الوحيد الذي يحيا لأجله،وبعد أقل من شهر من العمل الشاق استطاع حسن جمع المال لصاحب العمل الشرير الذي أرسل أشخاصاً يبرحوا حسن ضربا،ويسرقون المال منه،وعندما علم حسن بأن صاحب العمل هو الفاعل، ذهب  ليسأله لم فعل ذلك،وما غايته ،لكنه نفى فعلته مستهزئاً به،بعد ذلك مضى حسن وهو يشعر بخيبة الأمل من التحدث مع صاحب العمل عائداً إلى منزله ليجد فاجعة أخرى حطمته نهائياً ،كانت أخته مستلقية أرضاً والدماء تغمر الأرض من حولها وشرايين يديها مقطعة،وما هي لحظات من الصدمة حتى صرخ صرخة دوى صوتها أرجاء الحارة جعلت من الجيران تتجمع لتعرف ماذا حدث.

مضى حسن زاحفاً إلى جسد أخته الهامد يرتجي منه بصيص من الأمل ولو بعض النبض يدف الحياة إليها،ولكن يا حسرتاه،وجد فقط رسالتها الأخيرة له،تقول فيها بأن صاحب العمل تهجم على المنزل وتحرش بها وأن هذه ليست مرَّتُه الأولى بل حاول من قبل فعل ذلك ولم يفلح😔 وبأنها لم تعد تحتمل الأمر أكثر  وختمت رسالتها بعد الكثير من الآهات التي تغزوها بوداعاً يا أخي ،أختك الحبيبة

هذه الرسالة لم تبقي بعقله ذرة تفكير واستوطن كيانه نار الإنتقام ،ومضى ذاهباً إلى صاحب العمل يتوغل قلبه الحقد والإنتقام .

في ذلك الوقت كان صاحب العمل يغلق محله قرابة ،الساعة التاسعة عائداً للمنزل،وما هي سوى لحظات حتى تلقى طعنة في ظهره إلتف على إثرها ليرى من فعل ذلك ،لقد كان حسن من طعنه بزجاج حاد وجده مرمباً على حافة الطريق،وأخرج الزجاج من ظهر صاحب العمل قائلاً له بحقد وهو يكز على أسنانه:أنت لم تحترم شيبتك ولم تحترم دينك وتجرأة على اقتحام منزلي وبسببك انتحرت أختي،فلما أحترمك وأتركك حراً طليقاً،مُت،وبضربة خاطفة شق عنقه ،بعد ذلك بحولي عشرُ دقائق وهو مركباً أرضاً ينظر لدماء صاحب العمل النتنة وهي تتدفق خارج جسده،اتصل بالشرطة معترفاً بفعلته لتأتي لموقع الجريمة وأخبرهم بكل شيء وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عام،ولكن بعد بضعة أيام وجدوا حسن جثة هامدة أثناء صلاة الفجر فقد ركع لله خاشعاً حتى فارقت روحه جسده،وأفاد التقرير الطبي بأنه يعاني من مرض السرطان وأنه كان في مراحله الأخيرة،ولاحقاً اكتشفوا بأن حسن كان يعلم بمرضه لكنه لم يكن لديه المال والوقت الكافي لعلاجه من قبل،وهكذا انتهت قصة حسن ..

بعد أن سمعت هذا كله تمنيت لو تنشق الأرض وتبلعني،وتأخذني إلى اللامكان بعيداً عن هذا الواقع ،هذه القصة حطمتني ومضيت أتجول تائهاً بالشوارع عائداً إلى منزلي أكاد لا استوعب شيئاً غارقاً بتفكيري وانا اجهل كيف اقابل والدي بما فعلته ،وعندما وصلت إلى المنزل وجدت سيارة الإسعاف،والناس مجتمعه أمام المنزال،فركضت مسرعاً لأعلم ما الذي حدث وسألت الجيران ليخبروني بأن والداي توفيا...

هذه الكلمات كانت كالصاعقة على قلبي ولم أصدق ما قيل لي وركضت مسرعاً نحو المنزل لارى ماذا يحدث حتى بحلقت عيناي بوالدي محملان على سريران معطيات بالأبيض ،في ذلك الوقت كل ما أردته هو البكاء ولكن لا دموع وأردت الصراخ ولكن لا صوت،فقط كل ما يتردد في عقلي كلام حسن لي(يوماً ما سيجعلك الله بحالٍ أسوء مني،يوماً ما ستفقد شخصاً عزيزاً عليك جزاءً بما فعلته،في ذلك الوقت ستتذوق ألمي و تتجرع من كأسي،عسى الله أن يجازيك أضعاف ألمي).

فلقد علمت بأن والداي من إثر جلطة قلبية ناتجة من صدمة أو خبر سيء،فعدت من المشفى إلى منزلي وقلبي يملئه الخوف بأن يكون ظني في مكانه ،ولقد تأكدت منه فكان ظني صحيحاً ،لقد عرفا والدي بأفعالي السيئة و رأوا المخدرات في غرفتي،وهذا كان سبب وفاتهم الحقيقي،والآن مضى عشرون عاماً،ومنذ ذلك الوقت أصبحت أداوم على طاعة الله وأقضي الفروض والنوافل فكلما انتهيت من عبادة أشغلت نفسي بعبادة اخرى،وكل ما كان يخيفني هو التفكير بما فعلته في الماضي والذي لا زال يلاحقني كابوساً في حاضري ولم يفارقني أبداً وكيف جازاني الله على أفعالي وانتقم لحسن مني ،وما حدث معي كان عبرة لأصدقائي ليمتنعوا عن فعل الأشياء السيئة وبدأوا يحطون خطاً سائلاً ترضي الله،ولكن لا يزال أسئلة الندم وتأنيب الضمير تلاحقني وتشغل أفكاري ،لو أنني استمعت لوالدي وادعت ربي ولم تصل طريقي ما كان حسن ليخسر والدته وتصبح نهايته مأساوية إلى هذا الحد،وما كان ليتولى والداي بسبب أفعالي البشعة،فليتني مت ولم أفعل ذلك.

الترياق🇵🇸

سماء ناهض الأعرج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق