الأحد، 19 سبتمبر 2021

حصير الشوك .ص 14 ...بقلم الأديبة سمية مسعود

 تخلو  الشوارع في هذه المدينة الساحلية الصغرى التي تطل على خليج جانبي من الشاطئ فيخيم عليها مسحة  من الهدوء الكئيب عدا بعض المارة المتفرقة أو قبضة  من الأطفال في بعض الأزقة  المترامية هنا أو هناك.  فيؤثر المنذر الربوض في غرفته يتابع آخر الإجراءات التي اتخذتها الدولة للوقاية من فيروس كورونا الذي استشرى في أوروبا و بصفة خاصة في إيطاليا وبدأ يزحف نحو القارة السمراء .

يفتح هاتفه  الجوال فتطالعه سيدة  الحسن والجمال فقيدة الفؤاد لمياء بحسنها الفياض وعينيْها الالماسيتيْن فيعضّ على شفتيْه متحسّرا على قلبه فتهلّ دده  حليمه ببراءة جهلها مستبشرة :" سلّم  هالكرونه ولدي  رجع يقعد في البيت ويتغذى مع أمه". ثم سرعان  ما تلحظه يخفي صورتها فتدرك الأمر وتنتشله  من فيض حسرته مردفة:"  والله سعاد للّات النساء  انسى و استغفر يا وليدي وآحمد ربي كلها  قدائر  الله افسخ تصويرتها يا المنذر وانسى ما فات ".


تفضل الأم مغادره الغرفة ويواصل المنذر ما اعتزم عليه فيطلب فتحي صديق الدراسة ورفيق درب البطالة عساه يخفف عنه هذا الوضع  .

-   ألو .

-    أهلا بك يا هراب.

_    أهلا بك أنت خرجت من داركم وإلا مازلت؟ .

_   أنا في الدار. تعالى .

_   ههه تعالى. انا في الجزائر يا عروس.  

_   في الجزائر!علاش؟ ما قلتش نمشي معاك يا أناني .

_   أنا أناني. وإلا أنت خوّاف؟. نسيت آخر مرة كيفاش رجعت آخر لحظة؟ .

_  أنا،أنا  انطبّق في الحجر الصحيّ نسيت الكرونه يا فتحي ؟

 _ آه الكرونه! .لا مانسيتش. لكن ما يهمنيش أما نعيش بفلوسي وقدري ولا نموت بقهرتي وفقري.   انت تعرفني مليح يا المنذر.

_ نتقابلوا كيف توصل ان شاء الله  .

_  قل لدده حليمه تدعي لي دعيوة خير يا صاحبي .

_بالسلامه فتحي ..


انقبضت أنفاس المنذر إثر هذه المكالمة وشعر أن الهواء الذي يتنفسه أشد حرارة عن المعتاد وسرعان ما أخذ قفصه الصدري في الانخفاض والارتفاع فألقى الهاتف  بعيدا .وفرك عينيه بشده توازي رغبة  دفينة تدعوه من الأعماق أن يزيح عن ناظريه تلك الشّار ة السوداء التي حجبت عنه شفافية ما كان يحدث أمامه عيانا دون أن تكون له ردّة فعل .ثم يفتح عينيه ويطبقهما بصفة  برقيّة متواترة وكأنه شاهد على تفاصيلها وهو في قمه الرضا .

      لم تغبْ عن فطرته نبرة صوت فتحي هذه المرة. تبّا .هل يمكن ان تكون؟ و في ذات الظروف؟ ويلي! .

    يقتصّ المنذر من راحة جسد هدّه اليأس حتى الثمالة  وأسره الفشل حتى النخاع ونفث شعثه منذ زمن طويل .فيدفعه قسرا على الشكّ  فيما يمكن أن يكون قد وقع وهو يرتكن إلى ظلال ذاته ويستجير بأركان الحجر الصحي عن مصافحة وجوه الناس ومجالستهم . الناس الذين و على حرج اللحظة التاريخية ما هجروا  مجالسهم قط وان تغيرت مواقيتها او أمكنتها .


ص14


سمية مسعود تونس 🇹🇳

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق