حوار بيني وبين نفسي
فلن أكن أعلم
في إحدى المساءات .. وحين جلست في إحدى مواقع الليل
في صندوق غرفتي الصغير ..
بعد أن عدت من غرفتك يا روحي التي تمتلأ حزنا ... وتعلو في سمائها
أناتك الغاليه ... بعد أن قمت عن طرف سريرك المتألم .. بجانب قدميك اللتان تسلل إليهما مرض الكآبة .. بعد أن تمنيت لجسدك الهزيل المتهالك أن يصمد حتى الصباح ... بعد أن قرأت الوجع في
عينيك الذبلاويين كحبات الكرز التالفة المتدلية عن غصن شجرة هرمة .. بعد أن إستمعت لسننفونية
أمعائك التي تصارع بعضها جوعا وصرخات .. بعد أن قلبت يديك النحيلتين بين يدي الصغيرتين
وكأني أقلب خيطان من الصوف القديم ..
غادرت يا روحي غرفتك وقلبي يتقطع .. وروحي. .. آه لو تعلمين
ما كان حال روحي ... كانت تسابقني للخروج من ذلك المكان الذي كان يضيق بأوجاعك وآلامك
لقد خرجت متشائمة .. محبطة
أخاف عليك من أشباح الهموم التي رأيتها تحت سريرك ووراء بابك ..
وفي خزانتك وخلف ستائرك وفي المرآة ...
تسألت .... لماذا كل هذا ؟
لماذا كل هذا الألم ؟
لماذا كل هذا العناء ؟
من أين كل هذا المرض ؟
ولم تكتفي بخروجي من غرفتك
ذارفة الدموع على حضور ذلك المشهد التراجيدي من مسلسل حياتك الذي قاربت حلقاته على (المليون حلقه)
بل انرت غرفتي وامسكت دفترك (الأسود) هذا ... تحقيقا لرغبتك واستجابة لطلبك بأن أكمل تلك السطور التي بدأتها ذات يوم ..
وإذا أقلب صفحاته المفخخة بألغام من القهر والعذاب .. والحزن الدفين
الذي دفن بين هذه السطور اللعينه
هذه الكلمات المسممة بعلقم الأيام
هذه الصفحات الغبية التي لم تسارع بقلب كل حروفك الحزينة إلى أخرى تحمل بين طياتها معاني السعادة أو الفرح .. كم كانت صدمتي كبيرة ..
وأنا أركض في شوارع هذا الدفتر
كنت أركض في تلك الشوارع وهي مظلمة .. لا أرى أمامي سوى لافتات أكثر من عتمة الشوارع سوادا .. كتب عليها بحد رمادي خافت .. باهت .. عبارات من الوجع تزيدني إصرارا على ترك هذه الطرقات الموحشة ... شوارع لم أكن أسمع فيها سوى قرع اقدامي المرتحفة
لا بل كنت أسمع أيضا صدى صوتك الجريح .. وآهاتك القريبة. .
لم أكن أعلم يا روحي أن في قلبك كل هذه المآتم ...
لم أكن أعلم يا روحي أن في أعماقك حقولا متصحرة ..
فقدت زهورها .. فقدت قمحها
فقدت خضارها .. لم أكن أعلم يا روحي .. إنه في كل قرية من قرى جسدك هناك بيت عزاء قائم في كل أيام السنة .. وقد يقبل التعازي عن اثنين من احبائك في اليوم الواحد
لم أكن أعلم أن في داخلك حرب أخرى دامت أكثر من حرب فلسطين
لم أكن أعلم يا روحي أن في باطنك بئرا من المشاعر الحزينة يضخ في اليوم ما يكفي العالم لأن يشغل آلات الاحزان ألف سنة دون توقف ..
لم أكن أعلم أن السماء تمطر غير المطر إلا حين رأيت ماء روحك تمطر دموعا مالحة المذاق .. لم أكن أعلم يا روحي أن في داخلك هناك دفتر ذكريات كبير .. يحمل قطعا مظلمة من الماضي السيئ .. والحاضر الاسواء. .
لم أكن أعلم أنه يسكن جسدك روح أخرى .. تحبس نفسها في قفص من العزلة والوحدة .. نفس فضلت العيش منسية على أن تطالب بحقها من القدر .. لم أكن أعلم ياأنا أن في داخلك جثة من المواقف. . والذكريات. .. والأحداث. .
جثة من جسدك المتحرك. . دون طاقة .. دون وقود .. لم أكن أعلم
ياأنا أن في عروقك يجري بدل الدم
الأحمر. . سيل من الماء البارد .. الذي جمدته صدمات ومفاجأت أقدارك في عروقك الضيقة ..
لم أكن أعلم ياأنا أيتها الحبيبه أنك عدتي في سلم عمرك إلى الأسفل ..
وبدأت السير بخطوات متثاقله كخطوات الأطفال أول مسيرهم
لم أكن أعلم ياأنا انك ولدت طفلة من جديد .. تحمل بين ضلوعها الصغيرة ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق