♠ ♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ ♠ ♠ ♠
♠ ♠ ♠ زمان بنت الحته ♠ ♠ ♠
يتمتع المصريين ببعض السلوكيات التي قد يتفردون بها عن باقي الأمم ، وإن كنتُ أنا قد صادفت بعض المشتركات في بعض بلادنا العربية ، لأن التكوين السكاني في مصر لا يختلف كثيراً عن التكوين السكاني في أغلب البلاد العربية لذلك كانت المشتركات ، فالحارة المصرية لا تختلف عن الحارة السورية واللبنانية مثلاً ، ولكن في الحارة المصرية ثقافة ذات طابع ومذاق خاص ، فالتجمع السكاني في الحارة وَلدَ حالة من الترابط والألُفة بين سكانها ، وأصبحت المشاركة دليل على أصالة ساكني هذا المكان ، فعندما يكون فرح في أحدى الشقق في بيت من بيوت الحارة مثلاً , تصبح الفرحة في كل شقق البيت بل في كل الحارة ، ويصبح التعاون بين شقق البيت علامة من علامات الألفة والترابط وينشط بينهم مصطلح الناس لبعضها ، فيتسارع سكان باقي الشقق إلى الشقة التي بها الفرح لتقديم الناقص ، وما يلزم ولتصبح شقة الفرح كاملة من كله ، ويتعدى الأمر إلى الحارة فيتعاون الجميع ، وفي اليوم الذي سيحضر فيه العريس وأهله مثلاً لبيت العروسة ، يقوم سكان الحارة بكنسها ورش الماء ووضع بعض من قصاري الزرع ، وكذلك نفس الامر في المشاركة في الأحزان ، وكيف يغلق الراديو والتليفزيون في كل شقة ، وغير ذلك عيب وينشط بين الناس مصطلح "الناس تأكل وشنا" ، وهذا الشكل كان لا يختلف في باقي بلادنا العربية ، وفي هذا الوقت من الزمان لم يكن الحجاب "ولا النقاب" منتشراً كما هو اليوم بين النساء ، والنساء يلبسن من الملابس ما هو مفتوح الصدر أو قصير ، وكل هذا كان لا يغري شباب الحارة لمضايقاتهن إلا ببعض كلمات الغزل المحبب نوعاً ما عند بعض المراهقات ، وسرعان ما يمنع الكبار الشباب بالكلمة المأثورة "عيب على عرضك دي بنت حتتك يا راجل" وكان لكل حارة كبير يخضع الجميع لحكمته ولا يصل النزاع عادة بين أبناء الحارة الواحدة إلى أقسام الشرطة ، وفي الحارة ما يعرف بشيخ الحارة وهو همزة الوصل بين سكان الحارة وقسم الشرطة ، وعلى دراية بكل السكان ، ويعلم هذا إبن من وذاك أبوه من ، وكانت هناك بين المصريين خواص حميدة ، فكل بنت من بنات الحارة محمية من كل شباب ورجال الحارة ، ومن المذهل أن البنات كُن يجلسنَ في الجامعة بملابس قصيرة وصدور ليست مختفية تماماً بجور الشباب ، ولم يسود مسمى الزواج العرفي كما اليوم في الجامعات رغم وجود الحجاب والبنطلون ، وهذا يرجع إلى أن الشاب والشابة متعمق في نفوس كل منهما أخلاق وتربية سلوكية ودينية ، وكان رب الأسرة متفرغ للأسرة ، والأب بدخله البسيط يكفيهم بالكاد ، والأم تدبر البيت وتجعل كل من يزورها يذكر الرفاهية التي بالبيت ، ولم يهجر الرجل أسرته بحثاً عن الرزق في دول أخرى كما نرى الأن ، كانت الأسرة همه وهم زوجته والتربية رسالة وهدف ، وإذا صادف أحد من سكان الحارة أحدى بنات الحارة بصحبة شاب غريب في أي مكان ، كان لا يستحي أن يوقفهما ويسأل البنت مين ده ، وإذا إنفعل عليه من يصاحبها كان قوله "يا أخي دي بنت حتتي" ، وكأن بنت الحته ليس فقط أهلها هم من يعايشونها في البيت ، بل كل من يعايشها في الحته هم من الأهل ، وتصبح للجميع عرض عليه صيانته ، وإذا خرجت هي ليلاً لشراء دواء مثلاً أسرع لها من شباب الحته من يقول لها إرجعي وسأشتري لكِ ما تريدي ، فعاشت بنات الحته في أمان وحماية هذا الزمان ، وقد يسأل البعض لماذا تعيدنا لعصر كان والزمان الأن غير هذا الزمان ، أفعل ذلك لأن هذه مقدمة لقصة غريبة عن مثلي وهي التي جعلتني أُذكر بالذي كان عندما كان الكائن الذي يعيش في الحارة ينتمي لفصيلة الإنسان ، والقصة أن بنتاً أنهت معهد التمريض وتعمل في إحدى المستشفيات الجامعية ، ومعروف أن المهن الطبية تخضع إلى نظام الورديات ، مرة عملها بالنهار وآخرى عملها بالليل وثالثة ينتهي عملها في ساعة متأخرة جداً من الليل ، فتعود في كل مرة إلى بيتها وهي في حالة إرهاق من وردية عمل طويلة وليست بالبسيطة ، وفي هذه الحارة التي تسكن فيها هذه الممرضة ، كانت هناك مقهى يجلس عليه بعض من يتعاطون البانجو وحبوب الهلوسة من شباب اليوم "الفالت" والذي لا يحترم كبير ، وفي يوم وبينما هذه الفتاة عائدة في ساعة متأخرة من الليل، إذا إتفق 4 من هؤلاء الشباب "الفالت" على أخذها في شقة أحدهم ، والغريب أن شقة هذا المنحرف في نفس الحارة التى تعيش فيها هذه البنت ، بل في نفس البيت الذي تسكن هي فيه ، وبينما هي تدخل البيت سار أمامها صاحب الشقة وفتح الشقة وبينما هي تصعد من أمامه جذبها بعد أن كتم صوتها وأدخلها الشقة وجاء وراءه الباقي ، ظلوا يتبادلون الإعتداء عليها حتى الصباح ، ثم أخذها أحدهم إلى شقتها وطرق الباب وأنصرف ، دخلت البيت وهي في حالة إعياء ولا تتكلم ، ظن أهلها أنها مرهقة فتركت لتنام ، وفي مصر هناك تعبير سائد وهو "الخوف من الفضيحة"، هذا التعبير يمنع الكثيرات من البحث عن حقوقهِن ، وهذا مما يجعل الأخرين يمارسون هكذا أفعال ، لعدم الردع فهناك مقوله "من أمن العقاب أساء الأدب" ، أم باقي القصة فتترك لخيال كلٍ منكم ليتصور نهاية لها ، أما أنا فأقول " ويسأل الناس عن البركة أين ذهبت وتركتنا " وأتذكر قول الشاعر المغفور له بإذن الله أحمد بك شوقي " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُو ذهبت أخلاقهِم ذهبوا " وكأن الأخلاق هي البركة أو جزء من البركة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق