الاثنين، 21 مارس 2022

يوميات سائق ثقة.....بقلم الأديب أ. عبد الإله ماهل

 يوميات سائق ثقة

تأليف: أ. عبدالإله ماهل من المغرب 

و...زائرتي

أحس بدوران برأسه، وثقل بجفنيه، سرعان ما أعقبه سيلان من أنفه، فرشقات عطاس؛ ليستفحل حاله، ويسقط في المحظور، كحة حادة لم يستطع معها صبرا، كادت أن تطبق على أنفاسه، وتذهب بصوته.

حاد ذات اليمين، واستوقف سيارة أجرته، تفقد علبة المناديل، نثر بدل الواحد اثنين وثلاثة من دون أن تفي له بالغرض المطلوب.

تصادف، والشمس في كبد السماء كومة نار حامية تلفع، ولا من ظل ظليل يقي حدة حرها، تجرع جرعة ماء، تنفس الصعداء لهنيهة، استرجع من خلالها البعض من قواه، نظر إلى المرآة، صبيب عرق يعلو جبينه، هاله منظره حاله لا يبشر بخير.

ساعتها أيقن صاحبنا أن زائرته وعن غير العادة لم تمهله للحظة؛ وكأنها استوحشت المكان، وأبت إلا أن تحل ضيفا ثقيلا؛ والظرفية استثنائية تتطلب توخي الحيطة والحذر.

تمة وباء قاتل أتى على البشرية جمعاء؛ فمن يصبه يمته في الحين، ومن يخطئه يمهله إلى حين، اصطلح على تسميته كورونا، تكاد أعراضه تتشابه الى أبعد حد ما مع ما اعتاده من زكام.

اختلطت عليه الأوراق، ارتاب في أمره، ولا من تغطية صحية تعفيه مغبة موت محقق، وتنأى به خارج طوابير مستشفيات الدولة، ليجد نفسه لا هوادة له عن سلك طريق بيته القابع بأطراف المدينة.

استلقى على الفراش لا يلوي على شيء؛ اللهم ريع لا يرحم، وأسرة تنتظر منه الكثير، ولا يملك منه إلا القليل، وزائرة من غير لون لم تراعي فيه لومة لائم.

خافت الزوجة على أسرتها، حاشت عنه البنات، مخافة العدوى، فرضت عليه طوقا ألا يبرح مكانه، وفردته بعيدا  بعيدا أشبه ما يكون كمثل ذلك البعير الأجرب.

لم تنتظر عليه طويلا؛ خليط من صنيعتها، مذاقه مر كطعم العلقم، احتساه على الريق، جرى مجرى الدم في العروق، رشح جلده عرقا، وذهب في سابع نومة، سرعان ما أتى أكله؛ مجرد زكام ليس إلا.

لازم الفراش ثلاثة ليال، واستفاق في اليوم الموالي  على صياح زميله، يستعجله دوره في السياقة.

وكأن أيام عطلته لا تتأتى إلا عن مرض يلم به، وتقاعده إلا عن موت ينهي به حياته بالمرة.

ليكن الله في عون السائقين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق