الاثنين، 28 مارس 2022

لن ابقى في هذه المدينة....بقلم الشاعر معاد حاج قاسم

 لن أبقى في هذه المدينة.. 

=====================  لن أبقى في هذه المدينة يوماً واحداً. كأنّها وحش يريد افتراسي. اﻷشباح الملعونة تحتلها من كلّ حدب وصوب. تشكل دوريات رعب في الليل تطاردني أينما توجهت. الخفافيش تتدلّى على أسلاك الكهرباء ترمقني بعيونها الشيطانيّة المدوُرة. لن أبقى في هذي المدينة بعد اليوم .. لم يعد لي فيها مكان أدفن فيه أوجاعي وخوفي ونومي.

حتى البيت الذي أورثني إيّاه والدي تبعثرت أحجاره ، وانكسرت جدرانه بعضاً على بعض.

حزم نبيل حقيبته ، وضع فيها فرشاة أسنان وأدوات حلاقة ومنديل وجهه.. وبقايا أوراقٍ وجواز سفر ...

وقف أمام البحر مستجدياً أﻻ يبتلعه كما فعل مع الكثير الكثير من الشباب الذين مزّقت أجسادهم أسماكه.

ارتعدت أوصاله .. كيف تنهش أسنان القرش أجساد البشر.؟ 

ابتلع ريقه مرارةً وأسى وكثيراً من الخوف.

- ردّد في نفسه يا إلهي كم أنا خائف وحزين.

تدفقت الدموع من عينيه .. مستقبل مجهول وبُعد عن أصدقاء وجيران ألفة وبقايا ذكريات ... بدون وداع .. لم ير أحداً منهم. لقد تغيرت أماكنهم تبعثروا في أصقاع اﻻرض بسبب أهوال الحرب وشراستها ..

- ردّد لن أبقى هنا ولو ساعة واحدة .. لقد تعبت كثيراً. أوجاعها كسرت قلبي. لم يبق لي مكان فيها.

حتي عملي في ذلك المطعم المتواضع.. قد توقّف منذ سنتين وبضعة أشهر. 

- وداعاً ﻷوجاعي وخوفي ، ورعب سرق مني النوم أياماً وأياماً.

- ولكن للبحر حكاية أخرى. قالها رجل بجانبه. كذلك هو يريد الرحيل مع عائلته...

أتُراه سمعني وأنا أحدّث نفسي..؟ تُرى هل أنا .!.. القارب ليس كبيراً. وبضع عشرات من الرجال والنساء والأطفال ملأت أحشاءه.

- همس في أذني ذلك الرجل.. أي بُنيّ. البحر أرحم لنا من ذلّ المخيمات. لقد آوينا من لجأ الى بلادنا من أخوتنا العرب في بيوتنا. ولم ننصب لهم خيمة في طول البلاد وعرضها.

أما نحن فقد أسكنوننا في العراء وجهاً لوجه مع عنفوان الطبيعة وغضبها. واغتصبوا ونهبوا وجرّدوا أخوة لنا من كرامتهم.

- البحر أرحم يا بني .. من مآسي المخيمات والذل. أبحر المركب المطاطي في عتمة الليل وعتمة البحر واضطراب حلم في الوصول الى ضفة النجاة .. والحياة.

ثمان ساعات في صراع مع غضب الأمواج صعوداً وهبوطاً. وأصواتنا تعانق السماء .. ياالله ... يا الله.

صراع مع شبح الموت والرعب ... وأسماك تُطلّ برؤوسها من بين زبد اﻷمواج .. وكأنّها تدعو لنا بالنجاة والسلامة...

ثمان ساعات .. بعدها وصلنا الى جزيرة السلامة وبرّ اﻷمان.

جميع سكان المركب عانق بعضهم البعض. ودموع الفرح تتلألأ على خدودهم. الجميع حمد الله على سلامة اﻵخر ، وكأنهم عائلة واحدة وحّد بينهم القارب والبحر والزمن الصعب والأمان.

خمسة أيام اخرى .. تفرّقَ بعدها أصحاب المركب كل له وجهته.

أما نبيل فله حكاية أخرى مع الحياة ... ربما يأتي يوم ويحدثني فيه عن حياته الجديدة .. وربما لن يكون لديه الوقت لذلك في ازدحام الحياة وهموم الغربة.

بقلمي: معاد حاج قاسم.سوريّة27/3/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق