(الحكم بعد المداولة)...الجزء الأول _ الجزء الثاني _ الثالث
السجين رقم " ٧٨٠" ...أتم الآن عشرون عاما في غياهب السجن.... أشتعل رأسه شيبا ...بانت تجاعيد وجهه...في غرفة حبسه الإنفرادي يعيش وحيدا ...كلما دخل عليه السجان يجده غارقا في تكرار رسم صورتها علي جدران حائط غرفته...
_ أيها السجين من تلك التي ما زلت عاكفا علي رسم صورتها...أتذكر القاضية التي حكمت عليك بالسجن المؤبد إنها تشبهها تماما !!....
فلما سمع من السجان ...نظر إليه ...تسمرت عيناه ناحيته بلا طرفة عين...بدأت دموعه تتقاطر ببطء ...
السجان : أخيرا رأيت دموعك ...لم أراك تبكي من قبل ...تحدث معي ...أخرج ما بداخلك...
" ولىٰ السجين برأسه عنه...أمسك بقلمه...نظر إلي حائطه ...بدأ يرسم خصلات شعرها "
................ قبل عشرون عاما ...............
أتما معا دراستهما بكلية الحقوق ...هو من طبقة الفقراء الكادحين ...هي من الأغنياء...والدها قاض مرموق ...عائلتها من أكبر عائلات صعيد مصر ذوو مناصب وثروة...
أمسك بيديه شهادة تخرجه...وقف ينتظرها وموعدهما المعتاد ...من بعيد رأها قادمه ...تهرول ناحيته...
فلما إلتقت العيون...وتشابكت الأيدي...قال ستصبحين الآن قاضية مثل أبيكِ...
نظرت إليه : الآن ستحقق حلمك ستصبح محاميا مشهورا ...ضحكت...أطبقت علي يديه...أيها الفتي أرني براعتك في الدفاع ...لنتخيل الآن أن ساحتنا تلك هي المحكمة ...وأنا القاضية ...هيا لتبدأ الدفاع الآن
نظر إليها مبتسما : سيادة القاضية ...السيدات والسادة ...إن موكلتي التي تقبع الآن خلف قضبان قلبي...بريئة من جرمها كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب ...لم ترتكب جريمة عشقي بمحض إرادتها ...إن قلبها هو الجاني الحقيقي...لذا أطلب من عدالتكم الحكم ببراءة موكلتي وإيداعها بملجأ نبضات قلبي نظرا لصغر سنها ...لأنها ما زالت صغيرة علي العشق...وسيتكفل قلبي برعايتها حتي تبلغ سن العشق القانونية...إنتهت مرافعتي الآن أيتها القاضية..
_ نظرت إليه تبتسم قالت : رفعت الجلسة ...الحكم بعد المداولة
أطبق علي يديها بكل قوته: ليكن حكمك رحيما ...
تلاحمت العيون...قالت : حكمت المحكمة بعشقي المؤبد لك ...
( الحكم بعد المداولة )...الجزء الثاني
بلغت من العمر عتيا...اليوم إحيلت إلى المعاش...لن تجلس على منصة القضاء بعد اليوم...
جلست أمام مرآتها وكأنها ترى نفسها لأول مرة...أخذت تتفحص بأصابعها تجاعيد وجهها...
بدأت دموعها تتقاطر...أخرجت صورته الفوتوغرافية من صندوقها ...
نظرت إليها همست : أيا حبيبي مرت عشرون عاما ...كيف حالك في غياهب سجنك...إنتظرني سأزورك قريبا ...أريد رؤيتك مرة واحدة قبل موتي...
جففت دمعاتها...أغلقت صندوقها...جلست تنتظر عودة إبنتها...
دق جرس الباب...هرولت تفتح لتجد إبنتها تحتضنها بقوة : يا أمي لقد نجحت بتفوق...حلمك تحقق اليوم ياأمي ...ها هي شهادة كلية الحقوق ..سأصبح قاضية مثلك...
_ هنيئا لك يابنيتي...كم تمنيت هذه اللحظة ...ستصبحين قاضية لك شأن عظيم...
إبتسمت الأبنة وعيناها مليئة بالفرح قالت : يا أمي لنتخيل الآن أن ساحتنا تلك هي المحكمة وأنا القاضية وأنتي المتهمة ....هيا ياأمي الأن دافعي عن نفسك ...قبل أن أنطق بحكمي...
إبتسمت الأم وعيناها مليئة بالدموع قالت : سيادة القاضية ...بدأت قصتي منذ عشرون عاما ...عندما عشقت شابا فقيرا...تواعدنا أن لا نفترق أبدا...درسنا معا وتخرجنا معا...وهبت له روحي بل وجسدي أيضا...تقدم لخطبتي...فأهانه أهلي وطردوه...
ثم بدأت أعراض الحمل تظهر جليه حتي تيقنت من الأمر...فلما علم أبي قرر قتله...حينها ركعت أمامه ياأبتي لا تقتله إفعل به ما تشاء إلا قتله...
قال لأسجننه مدى الحياة سأستعمل نفوذي كقاض لسجنه...وأنتي أيتها اللعينة من اليوم لست بأبيك ولا أنتي إبنتي ...ستكون قضيتك الأولى في ساحة القضاء أن تحكمي عليه بالسجن المؤبد ...ثم ستغادرين البلدة بلا عودة ...
وبالفعل حدث ما خطط له أبي ...إقتحم الضباط والجنود منزله...أخذوه...ليجد نفسه متهم بحيازة أسلحة ومواد مخدرة والإتجار فيها ...تم تفصيل تهم له تكفي لإعدامه...
كانت قضيتي الأولى التي ساحكم فيها هي تلك...
وفي يوم المحاكمة وقبل أن تبدأ الجلسة...توجهت إلى محبسه...فلما رأني أدمعت عيناه...قال لا تصدقيهم لم أرتكب شيئا...
حينها أطبقت بيدي على كفيه ...نظرت في عيناه ودموعي تتقاطر ..يافتاي أتعلم أنني أنا القاضية التي ستحكم في قضيتك بعد دقائق من الآن !...يافتاي إني أحمل في بطني جزء منك!...يافتاي إن أبي هو من فعل ذلك بك بدلا من قتلك ...يافتاي ساحكم عليك بالسجن المؤبد بعد دقائق من الآن!...
نظر إليها ...أطبق علي يديها ويداه ترتعش : أيتها القاضية رضيت بحكمك ...ولن أكف عن عشقك مدى الحياة...
فلما بدأت المحاكمة سألته سؤالا واحدا : أيها المتهم هل تعترف وتقر بالتهم المنسوبة إليك ؟
أجاب : بلى أقر وأعترف
نطقت حكمي بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة...
يابنيتي حينها خرجت هائمة على وجهى...غادرت بلدتي وأهلي ...توليت القضاء في محاكم عدة ...غريبة أعيش وحدي...حتي رزقني الله بطفلة ...كانت وما زالت كل حياتي...الطفلة الآن أصبحت قاضية ...تقف أمامي الآن!!
إنتهى دفاعي وقضيتي أيتها القاضية ...أنتظر حكمك الآن!!!
ما زالت إبنتها تنظر إليها دموعها كنهر جار : أبي على قيد الحياة ؟؟
الأم : أبيك هو السجين رقم "780" ..على قيد الحياة ...لم يمت كما أخبرتك...
يابنيتي غدا سأذهب إلي النيابة العامة سيتم فتح ملف قضية السجين "780" من جديد...سأعترف بكل شئ...ستكون قضيتك الأولى في ساحة القضاء هي تلك...إستعدي لذلك اليوم!
.......................... بعد مرور شهر ..................
فتح السجان الباب : أيها السجين لم يزورك أحد من قبل طيلة عشرون عاما...والآن إستعد هناك زيارة لك !!
إستدار السجين برأسه ناحية سجانه ...ثم عاد لينظر إلي حائطه ...ممسكا قلمه ...بدأ في رسم عيناها
( الحكم بعد المداولة ) ...الجزء الثالث والاخير
نظرت إلى السجان : أيها السجان اتركنا الآن واترك باب الغرفة مفتوحا...أريد التحدث إلى موكلي على إنفراد..
.
فلما وقفت خلفه : أيها السجين رقم " 780" إسمح لي أن أعرفك بنفسي أنا محامية كلفت بالدفاع عنك ...تم فتح ملف قضيتك البارحة فقط ...ستعاد محاكمتك من جديد...هناك أدلة جديدة تنفي عنك كل التهم التي نسبت إليك ...
فلما سمع ذلك وقف ناظرا إليها !! أيتها الفتاة ما أجملك وكأنك هي ...
=أتقصد تلك التي تملأ صورتها جوانب غرفتك!!
السجين : بلى إنها تشبهك تماما ...
تقدمت نحوه ...إقتربت منه ...وعيناها بالدموع غارقة
_ أيتها الشابة الجميلة لما الدموع إنك ما زلت صغيرة ...العمر أمامك رغد سعيد...جففي دمعك الآن ...لا ترهقي نفسك في الدفاع عني سأظل أقر وأعترف بالتهم المنسوبة إليَّ حتي أموت ... إن من حكمت قبل عشرون عاما حكمت من قبل بعشقها لي مدى الحياة...
= أيها السجين أتسمح لي بأن أقرأ لك رسالة مكتوبة بخط شخص عزيز عليك !!
فلما فتحت الرسالة قرأت :
" أتذكر حين إلتقينا قبل محاكمتك بدقائق ،أخبرتك حينها أنني على وشك أن أحكم عليك بالسجن المؤبد، وفي الحقيقة أني قد حكمت علي نفسي ، نعم ياحبيبي قد عشت في سجن كبير ، عشت على أمل رؤياك لمرة واحدة قبل موتي، إن كنت تقرأ رسالتي الآن فاعلم أني قد فارقت الحياة ، إعلم أني قد برأتك من كل التهم المنسوبة إليك، لقد قدمت الأدلة التي تثبت براءتك، إن من سيتولى الدفاع عنك هي تلك الفتاة التي تقف أمامك، أتذكر أيضا أني أخبرتك أن في بطني جزء منك ، لقد كنت أحمل في بطني فتاة، أفنيت عليها عمري حتي أصبحت قاضية جميلة ، كانت ستكون قضيتها الأولى هي قضيتك ، لكنها تخلت عن منصبها وتركت القضاء ، هي الآن تعمل بالمحاماه، عندما علمت أن أبيها كان حلمه أن يصبح محاميا مشهورا، قررت أن تحقق حلم أبيها، أيها السجين إن من تقف أمامك الآن ستتولى الدفاع عنك ، إن من تقف أمامك الآن هي إبنتك، أيها السجين : حكمت المحكمة بعشقي المؤبد لك في حياتي وبعد موتي "
إرتمت الفتاة في حضنه و عيناها بالدمع قد فاضت : يا أبي إنتهت الرسالة ...إكتملت أجزاء القصة ... لنتخيل الآن أني أنا القاضية والمجني عليه أبي والجانية أمي
وأن المحاكمة قد بدأت !!
نظر إليها محتضنا إياها مبتسما باكيا : أيتها القاضية ...ها هي كل الأدلة قد صارت بين يديكِ...فأنتِ الآن الخصم والحكم...
أيتها القاضية : ليكن حكمك رحيما!!
نظرت في عيناه ...إحتضنته بشده تبكي ...قالت : يا أبي ...الحكم بعد المداولة
انتهى ...
( الحكم بعد المداولة ) ...الجزء الأخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق