الجمعة، 29 أكتوبر 2021

قارئة الكف ...الجزء 1. 2. و 3 ... بقلم الأديب محمد عيسى

 ( قارئة الكف)... الجزء" الأول _ الثاني _ الثالث"


تنكر كعادته ..ليتفقد أحوال رعيته..


 في هيئة شحاذ كفيف.. خرج يتحسس بعصاه موضع قدمه..باسطا يده...


مر علي نفرٍ ..يجلسون حول فتاة تضع أمامها أحجار وأصداف...على حفنة من الرمال

تستقرء لهم طالعهم ...مقابل بضع دنانير...


قالت لأحدهم : أنت تاجر غلال شهير بتلك المملكة..حظك من الدنيا سجن طويل الأمد ...أرىٰ حجرة مظلمة تجلس فيها وحيدا..


صاح الرجل أيتها الكاذبة عليك اللعنة !!


رفع يده لطمها علي وجهها..سقطت أرضا تبكي..

بعثر بقدمه أصدافها..


تحسس الشحاذ خطاه نحو ذلك الرجل ..بسط إليه يده..


قال : أعطني مما أعطاك الله لعلها تنجيك من سوء طالعك !!


_أيها الكفيف اللعين..أغرب عن وجهي..


رفع يده لطمه علي وجهه..سقط وعصاه أرضا ..بجوار الفتاة..


إنصرف النفر يضحكون ..يباركون صنيع صاحبهم.


نظرت  إليه: أيها الشحاذ هل أنت بخير ؟!


_بخير لكني لا أستطيع النهوض..


= هيا تحامل علي كتفي لنستظل بتلك الشجرة..


جلسا معا في ظل شجرة عتيقة ..


قالت  : ما أجمل عيناك...


بسط يده أمامها..قال إستقرئي طالعي..


أمسكت يده ..نظرت فيها طويلا..


قالت : أراك تجلس فوق عرش مهيب..تحيط بك الدماء من كل جانب..وأمامك فتاة لا تظهر لي ملامحها ..موتك محتوم من أجلها..


 (قارئة الكف)...الجزء الثاني


ياقارئة الكف..كيف لشحاذ كفيف مثلي أن يجلس فوق عرش مهيب..كذبت نبوءتك


_هل لي أن أمسك يدك لأخبركِ عن طالعك!


= كيف وأنت فاقد البصر!


_ مدي يدك ..فإني أرىٰ ما لا يراه البشر


فلما أمسك يدها .. قال ستصبحين  يوما ملكة .. وإن عيناك ساحرة قاتلة..وإني أرىٰ ملك يجلس بجوارك ..أراه وقد توجك ملكة تحكم عرش قلبه..


=أيها الشحاذ ..كيف لدجالة مثلي تصبح ملكة..كذبت نبوءتك..


أما عن سحر عيناي فقد صدقت..إن جمالي ذنب لم أقترفه ..وما زلت أكفر عن ذاك الذنب.


ما زلت أذكر جدتي لما قالت لي دامعه : يجب أن ترحلي إلي بلاد لا يعرفك فيها أحد..فأبناء بلدتنا يتقاتلون من أجلك..ولا خير فيهم ..إرحلي يابنيتي..فإني أراكِ...أميرة ستحكم بلاد غريبة...


يابنيتي إمتهني مهنة جدتك ..خذي أصدافي وأحجاري ..تجولي في البلاد ..إقرئي طالع العباد..


أطبق الكفيف على يدها...قال ياساحرة العيون..أتؤمنين بنبوءة جدتك !


أيتها العرافة هل تعلمين أن ملك تلد البلاد لم يره أحد من شعبه..

من لم يركع له حُكم عليه بالموت...


من تجرأ ونظر في وجهه حُكم عليه بالموت..


إنه ذا بطش شديد...يفعل ما يريد..


أراق الدماء..حكم شعبه بقبضة من حديد..


ياساحرة العيون إنه يعلم أن نهايته ستكون عبره.. يقال أنه إلتقىٰ يوما بفتاة ..ولما نظر في عيناها..قال ..سأغير من أجلك قوانين مملكتي..سأحكم بالعدل ما دمتي بجواري..لكن!!


= لكن ماذا ؟ ..أيها الشحاذ أكمل لي قصة ذلك الملك ..


_ لا تستعجلي النهاية فكل شئ يجري بأمر مقدور..سيعاقب الظالم بما ظلم..سيبصر الكفيف يوما ما..


" ما زال ممسكا بيدها ..تلاحمت عيناه بعيناها..حتى اوشكت الشمس علي الغروب ..ألقىٰ برأسه علي صدرها وراح في نوم عميق..وكأنه لم ينم منذ أعوام...


ما زالت العرافة تتطلع إي وجهه البرئ النائم...تداعب خصلات شعره بأناملها..طبعت علي خده قبلة خفيفه لم يشعر بها..


ألقت رأسها علي رأسه..أغمضت عيناها..

فإذا بجنود الملك وقد أحاطوهم ..


وعلى صهيل الخيل إستيقظا ..


قال قائدالجند : إقبضوا عليهم!


صرخت العرافة : أي ذنب إقترفنا أنا غريبة عن المملكة وفتاي شحاذ كفيف البصر


 _ إنكما قد إخترقتم قانون الحظر الذي أصدره ملك البلاد..بعد غروب الشمس يحظر التجوال...ومن يخالف يحكم عليه بالموت.


فمصيركما الموت المحتوم.


وقف الشحاذ : ياقائد الجند أنا الملك المفدىٰ !..إمتثل أمري ..من اليوم يلغىٰ قانون الحظر..آمرك بالإنصراف فورا وجندك.


" قهقه قائد الجند ضاحكا ..علت أصوات الجند ضحكا "

إقبضوا علي هذا المجنون وفتاته..أحضروهم إلي ساحة الإعدام ..


  ( قارئة الكف )  الجزء الثالث ..الأخير


ساحة الإعدام تلك في منطقة معزولة بعيدة عن المملكة ..


 يوثق المحكوم عليه بالموت إلي جزع ..ثم يقف أحد الجنود أمامه علي مسافة قريبة ليطلق عليه سهما ..يتركوه ينزف حتي الموت..وما كانت تلك إلا أوامر ذلك الملك..حيث لا محاكمة..لا شهود..بأمر الملك كان للجنود سلطة مطلقة ..

يعفون عن من أرادوا ..

يقتلون من أرادوا...تلك كانت قبضة الملك الحديدية علي شعبه..

أوثقوا الشحاذ وفتاته إلي جزعين المسافة بينهما قريبة ..لهيب الشمس فوق رؤسهم ..ومطلق السهام أمامهم..


_ويلي ماذا فعلت بشعب مملكتي..كم برئ قتل ها هنا..


= يافتاي أراك تهزي من الخوف..قضي الأمر.


الشحاذ : ياقائد الجند كانت أوامر الملك أن يكون وزيره حاضرا  تنفيذ جميع الأحكام...فأين هو؟!


قائد الجند : قد أرسلنا إليه أيها المجنون..ولن أنتظر قدومه...

ليأخذ مطلق السهام موضعه الآن...


هيا أطلق سهمك عليه اولا.


إستقر السهم في صدره...

نظر إلي فتاته ..إبتسم لها.. ياقارئة كفي ...لم أكن أهزي وكأني أبصرت الأن..


جففي دمعك ..إن الأمر يسير ..لحظات وسنلتقي سويا من جديد في عالم أخر.


أخذ مطلق السهام موضعه أمام الفتاة..شد قوسه ..


فإذا بصوت جش..توقفوا ..توقفوا ..ويلكم أنه الملك..


قفز من فوق حصانه..مولاي الملك ماذا فعلوا بك ..أخذ يحتضنه باكيا يقبله...فك وثاقه


الملك : ياوزيري إحملني إلي القصر ...لا وقت ...حرر الفتاة ...


إنطلقت الخيل مسرعة نحو القصر وكأنها تسابق الريح...


حمله وزيره وبعض الجند...أجلسوه فوق عرشه..ودمائه تتقاطر كنهر جار...أمسك بيده الملطخة بالدماء تاج ملكه ..وضعه فوق رأسه


_ ياوزيري  فلينصرف الجميع...ولتدخل الفتاة الآن..


ما زال جالسا فوق عرشه ..

خارت عيناه..يري فتاته من بعيد تقترب ..

تمشي حافية فوق دمائه المتناثرة..

وقفت أمامه باكيه..ركعت تقبل يديه..إحتضنته بكل قوتها..

تلاحمت عيناه الغائرة بعيناها الباكية..

ياوريثة ملكي ..ياساحرة العيون وهبتك حكم مملكتي..إهدمي قوانين حكمي الجائرة..


سقطت رأسه علي صدرها..كأنه راح في نوم عميق..


تمتمت باكية نم يانبوءة جدتي...يوما ما سنلتقي..


= أيها الوزير تأهبوا لمراسم جنازة الملك..وأرسل لي في طلب أشهر تاجر للغلال في المملكة ..قاتم البشرة ..أحدب العينين...


سيبدأ ميلاد حكم جديد..سيعاقب الظالم بما ظلم ..وسيبصر الكفيف يوما ما...

النهاية

( قارئة الكف) ...

بقلم محمد عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق