السبت، 2 أكتوبر 2021

حصير الشوك ..ص 18 بقلم الأديبة سمية مسعود

 الوقت ظهيرة. داخل غرفة الجلوس ينيخ  النوري على أريكة  جلدية فاخرة  يقلّب عناوين الأخبار عبر القنوات التلفزية و في نفس الفضاء تتزين لمياء كأبهى ما تكون الزينة واضعة ماوافق من مساحيق وعطور لثوبها المنزليّ الرفيع والجذاب مداعبة صغيرها وسط رنين أخاذ لما يحاصر معصميْها من أساور ذهبية بديعة بعد فترة انزواء طويلة منعتها من التقرب إلى زوجها. ففضلا عن نمط عمله غير المنتظم  فإن موجة الإرهاب الإعلامي التي صوّرت فيروس كرونا  كالقنابل والألغام التي تحاصر أركان المنزل وثنايا  الفراش فرقت  بين الأقارب والأزواج كما أن لمياء كانت منشغلة بحال أخيها "كمال" في جنوب إيطاليا.  لكن ها هي اليوم تسعد بخبر هاتفي من شقيقها يعلمها أن موطن اقامته قد تخطى خطر استفحال هذا الفيروس اللعين وها هي تحاصر رفيقها النوري الذي ماردّ لها طلبا بعينيْن تتقدان شوقا.

 يمر الوقت ثقيلا على الزوجين. في الأثناء يغادرهما "أكرم" ليلتحق بغرفة  اختيْه" سعاد وفاطمة "فتنفرد لمياء بالنوري وتحاذيه وهي تصارع نظرة الإهمال في عينيه. تجلس هي فيغيّر النوري متّكأه إلى الجانب المعاكس من الأريكة ويرفع مكبر صوت التلفاز ثم يسألها:" شنوّه  إلّي بينك وبين المنذر ولد أختي حليمة؟ ". تتبسم لمياء آليّا فتعتري رموش  جفنيها قشعريرة خاطفة  ومتذبذبة وكأنها تحتمي من سهام  لحظة المفترسة قائلة:" صلّ على النبي سي النيوري. المنذر خطيب سعاد ولد الدار ". 

     _ وتصويرتك؟ آش تعمل عندو  في التليفون؟ 

تصمت لمياء وهلة وقد تصلّب الرضاب  في حلقها ثم تستقيم واقفة بعد ان ضاق المقعد بخاطرها وكأنها تتسلّح بإتخاذ مسافة   للتدبير وتقول بصوت متهدّج  وقد اغرورقت  عيناها بدموع لم تقو على أسرها. :" سي النوري .عندنا  ثلاثة سنين معرسين وأنت تعرف ما نخرج إلا بمشورتك من داري إلى دار بابا.  الناس يحبوا يخرّبوا عشرتنا.بالله ما توفّر لهم  الفرصة."

 تنهي لمياء جملتها وقد انهمر دمعها فياضا حتى بللّ  وتينها ثم سرعان ما تسلحت بالهروب إلى المطبخ. 

 خرجت لمياء وبقي النوري  سابحا في زخم الهواجس التي تداخلت رؤوسها لتكون عقدة اشتد  عقالها في نفسه. فدموع لمياء  أكدت له صحة الوشاية التي تكبّد مخاطرها " بوفلس" الذي لولا علمه بصحة الخبر لما تجشم عناء الجرأة  التي تسلح بها عندما قام باخباره. وبالتالي فقد تخلى عن فكرة تأديبه بل على العكس عليه الآن أن يفكر فى طريقة تجعله يخفي هذا الأمر عن باقي الرجال رغم أنه يعلم أن بوفلس يسعى إلى خرابها  كي يضفر بالتي يعشق التراب الذي تدوس عليه كما أنه أصبح متيقنا بما لا يدع مجالا للشك سبب البرود الذي يطغى على علاقة المنذر بسعاد وتمنعه المتكرر عن زيارة منزله. 

والسؤال الملح الآن كيف عليه أن يتعامل معه بعد أن علم هذه الوقاحة التي تجعله وفيّا لحبه القديم أكثر من احترامه لحرمة خاله. فهو يحتفظ بصورة زوجته ويواصل عشقه لها كما يستهزئ من مشاعر كريمته سعاد  في نفس الوقت. 

إلا أنه وفي الذات نفسها يستطيب دموع حرمه التي تسيل بلسما على لظى نار شك كادت أن تندلع في خضم دوامة من الحيرة ما كادت تنشأ في فؤاده ليرتاح مبدئيا لما أعربت عنه لمياء من تمسك به وبحياتها الهانئة مع رضيعها. ذلك أنه خبر صدق مشاعرها و نقاء سيرتها من أول يوم وطئت فيه قدماها 

المنزل. وهذا في حد ذاته مكسب محترم يجعله في وضعية مريحة كمبدأ لا يتنازل عنه الرجل أمام سيول المحن. 


                     سمية مسعود  تونس🇹🇳

                                     يتبع....

                           ص18

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق