زهرة البنفسج ... الجزء الثانى
بقلمى__د. إمام عبدالعظيم سليم
قالت لها الأم : أترضين بهذا الكوخ مسكنآ وبى امآ وبولدى اخآ ؟ فبكت الفتاة ولم تحر جوابا . وكان سكوتها افصح بيان ، فضمتها المرأة الى صدرها وقبلتها فى جبينها وانهضتها وادخلتها كوخها واطعمتها من جوعها وامنتها من خوفها والبستها ثيابآ بسيطة نظيفة وطيبت خاطرها وأعدت لها مكانآ على المائدة ومرقدآ بجوار مرقدها وفرحت بها . ولما إن عاد الولد عشية قالت له امه إنه رزق فى غيبته اختآ تقاسمه الخير والضير . ففرح بها وسماها ( زهرة البنفسج ) وقضى ثلاثتهم الليل ساهرين وقد استأنست البنت بعد وحشتها واعادت عليهم نتفا من قصتها . وكان الفتى ينظر اليها نظرة المفتون بجمالها ، ولما اصبح انصرف الولد كعادته واخذت البنت ، وقد أطمأنت ، تحمل عن العجوز عبأ حياتها المنزلية . ولما عاد الفتى اخذت تحادثه بلطف وهو يداعبها والام تسر بذلك ونتيجة لأنها أملت ان تنشأ فى قلبيهما عاطفة الحب ، فترى بيتها ٱهلا بنسليهما قبل موتها. وقد دبت في الكوخ وما حوله حياة جديدة بحول تلك الزهرة الشريدة . وازداد نشاط الفتى وصار يصيب في الصيد اكثر مما كان ، ويربح في بيع الحليب والصوف والحطب اضعاف ربحه الأول . وكان كلما ذهب إلى القرية عاد الى زهرة البنفسج بهدية كمنديل من حرير أو عقد من خرز أو خاتم من معدن ، وهى تتقبلها منه بفرح ولا تكتم عنه سرورها ....
وفى يوم عاد الفتى من القرية وجلس مطرقآ كأنه يفكر فى أمر شاغل فلم يداعب زهرة البنفسج ولم يعرها التفاتة ، فسألته امه عن سبب إنشغاله ، فقال إنه رأى فى القرية راعيآ كان يعرفه منذ بضعة اعوام فلم يتعرف عليه للوهلة الأولى لما يبدو عليه من علامات الغنى . فلما سئله عن مصدر ثروته أجاب إنه تجشم أخطار السفر إلى الدنيا الجديدة التي تنبت أرضها ذهبا وتمطر لجينا ، انى وضع الرجل فيها قدمه أو كفه لقى ما لا ينتظره كأن أمنا الارض تركت لكل منا إرثا يطالب به فى تلك البلاد العحيبة ، فأقام بها بضع سنين وأحرز من المال ما أحرز ، وأنه ما عاد إلا زائرا وسوف يرجع الى بلاد المال والحرية فيوالى العمل حتى يملك نهرآ بسفائنه أو منجما بدفائنه ، فلما رأته الأم مشغول البال يكاد الحسد يأكل قلبه وحب المال يملك نفسه نظرت إليه نظرة استعطاف ، ونظرت الى زهرة البنفسج وكانت صامته ، وكأن نفسها الطاهرة قد اشرفت على المستقبل الرهيب ، فقالت الام بعد طول السكوت وقد جالت الدموع فى عينيها : إننى يا ولدى لا عوقك عن السفر فسافر إن شئت في طلب المال إن كنت لا تقنع بعيشتنا . وكأنما لم يدرك الولد إن فى هذا الكلام ما فيه من الأستعطاف . وكان حب المال ، والطمع في تحقيق ٱمال مبهمة قد أعياه عن حب الوالدة وأنسياه كل ما قاست فى سبيل تربيته ، فلم يشأ أن يجيب ندائها وكانت تظن إنه سيبقى بجانبها فى شيخوختها ولكن محبتها وكرامتها ابتا عليها أن تلح وقد علمت بفطرتها وخبرتها أن الشباب إذا تعلق بأمنيته لا يتحول عن تحقيقها . اما زهرة البنفسج فقد ادركت كل معنى ما دار من الحديث بين الأم وولدها ولكنها لم تستطع الكلام بل لم تكن تدرى ماذا يجب أن تقول ولكنها ادركت أن سعادتها فارقتها ، فأخذت تبكى بكاءا مكتما ولكن هذا لم يلن من جمود الفتى ولم يحرك من عواطفه ساكنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق