(نصف رغيف)....الجزء الأول _ الثاني _ الثالث
خلعت تاجها....تنكرت في زي جارية....غطت وجهها...خرجت تتفقد أحوال الرعية....دخلت السوق....أطربتها أصوات الباعه....عشقت الإزدحام....إقتربت من بائع الخبز....
يابائع الخبز أعطني رغيفا.....
فأخذته ...همت بالإنصراف....
صرخ البائع : أيتها الجارية ....أين ثمن الرغيف؟....أريد دينارا
قالت في نفسها " ويحي ...ليست معي نقود..ماذا سأفعل"
قالت : يابائع الخبز أمهلني بعض الوقت لأعود لك بدينارك...
أيتها الجارية المخادعة ....ردي إليَٓ رغيفي وأغربي عن وجهي..
فإذا بفتي حافي القدمين....ثيابه رثه ذات رقع.....يحمل بيده محبرة وقلم ولفافة ورق قال: لا عليكِ أيتها الجارية ....إحتفظي بخبزك وأنصرفي....
فنظر إليه البائع متعجبا: أيها الأحمق ....يامجنون الملكة...وهل تملك دينارا ثمنا له؟!...
الفتي : لا أملك إلا هذا القلم وتلك المحبرة وهذه اللفافة....إني راهنهم لديك لساعة واحدة ...فإن لم أعود صاروا ملكا لك...
البائع ساخرا : حسنا لابأس ...لك ما تريد...أيها المكذوب
فلما هم بالإنصراف قالت : ياهذا إنتظر....فشطرت رغيفها نصفين ....قالت إليك بنصفه فاقبله مني ...
الفتي : حسنا قد قبلت ....
قالت : من أين ستأتي بالدينار....إلي أين أنت ذاهب؟
فنظر إليها مبتسما : أيتها الجارية لا شأن لكِ....عودي من حيث أتيتي....
فإذا به يمد الخطي راحلا....
قالت أيها البائع : لماذا إتهمته بالجنون لماذا نتعه بمجنون الملكة؟
ضحك بائع الخبز : أيتها الجارية إنه يهيم عشقا بالملكة يجمع الصغار ويحكي لهم كذبا قصصا خيالية ....وما نراه إلا مجنونا بعشقها....
فلما سمعت ذلك ....هامت تجري تنظر يمينا ويسارا....تبحث عنه....لكن بلا فائده....قد إختفي بين الزحام....فلما أعياها البحث....عادت مسرعة إلي القصر....
صرخت بأعلي صوت : ياقائد الحرس أعد لي موكبا مهيبا الآن علي الفور....
وما كانت إلا دقائق وقد إكتمل موكب مهيب.....وضعت تاجها....كشفت وجهها....خرجت في زينتها....وكلما مر موكبها علي نفرٍ خروا ركعا....يهتفون عاشت الملكة ....وعند بائع الخبز وقف موكبها....
قالت : إتوني بهذا البائع ....
قالت : أيها الأحمق ...هل عاد إليك صاحب القلم...
البائع : مولاتي كيف علمتي....
الملكة : أجب ولا تزد حرفا....
مولاتي مرت الساعة ولم يعود.....ها هو قلمه ومحبرته ولفافتة هم لكِ يامولاتي ....وخر البائع راكعا خائفا....
فأمسكت بلفافتها وفتحتها فإذا بها تقرأ قصص في عشق الملكة....وكلما قرأت فاض دمعها.....حتي قرأت أخر قصة ....وصلت للنهاية ...فإذا بها تقرأ " يوما ما ستقرأ الملكة كلماتي....ويفيض دمعها....فالآن قد أيقنت هي أني قد رحلت.....فلم ألتقيها مرة ....ولن ألتقيها أبدا....إلا في خيالي "
فلما إنتهت وقد بللت دمعاتها الورق....
قالت : ياقائد الجند إبحثوا عن فتي حافي القدمين....ثيابه رثه ذات رقع....يحمل بيده نصف رغيفا
( نصف رغيف )...الجزء الثاني
الملكة : هيا إنطلقوا...إن وجدتموه لا تخبروه من أنتم ولا تخبروه من أرسلكم ...وأعصبوا عينيه ...لتأتوني به إلى القصر قبل غروب الشمس...
" عادت الملكة بموكبها إلى القصر ،تحمل بيدها لفافتة وقلمه ومحبرتة ، بينما إنتشر جندها في أرجاء المملكة ،يبحثون عن فتى حافى القدمين ثيابه رثة ذات رقع، يحمل بيده نصف رغيف "
ظل يمشي تحت أشعة الشمس الحارقة...يتصبب عرقا...يرى من بعيد شجرة ...مد الخطىٰ...فلما إلتقى بظلها راح في نوم عميق...
أيقظه الجوع...فلما هم بقضم نصف رغيفه...إلتف حوله جند كثر...شاهرين سيوفهم...
قائد الجند : أيها الصعلوك مطلوب القبض عليك ...أحكموا وثاقه ...أعصبوا عينيه
الفتى : أتضور جوعا ...أمهلوني آكل ما بيدي...ثم إفعلوا بي ما تشاؤون!
قائد الجند : أيها السارق إن من أمرنا بالقبض عليك هو من سرقت خبزه...لتبقي على نصف رغيفك ليكون شاهدا على جرمك ...
" حملوه موثوق اليدين ، معصوب العينين "
جلست على كرسي العرش...تحمل قرطاسه وقلمه...تنتظر على أحر من الجمر أن يأتوها بخبره...
الحاجب : مولاتي الملكة المعظمة ...قائد الجند يأذن فى الدخول
ففزعت من على كرسيها : دعه يدخل على الفور
ركع قائد الجند أمامها : مولاتي الملكة المعظمة ...قد وجدناه نائما تحت شجرة ...هو الآن بالخارج موثوق معصوب العينين
الملكة : هل تأكدتم أنه هو؟ هل يمسك بيده نص رغيفا!؟
بلى مولاتي ما زال ممسكا به
= أدخلوه في حضرتي...
فلما أوقفوه أمامها...
قالت : فكوا وثاق يديه ما أمرتكم إلا بعصب عينيه...
ولينصرف الجميع ...ولتغلق الأبواب
"فلما أغلقوا الأبواب ،ظل واقفا أمامها،وظلت تدور حوله "
= يامن يلقبونك بمجنون الملكة...هل تعلم أين أنت الآن؟
الفتى : من أنتِ ؟ وما جرمي؟ ولما تعصبون عيناي؟
= جرمك مشهود ...وأحمل بين يديٰ دليل إدانتك...وأنا القاضية التي ستحكم في أمرك..
( نصف رغيف ) الجزء الثالث والأخير
الملكة : أيها الفتىٰ حضر اليوم بائع الخبز ...أخبرنا أنك قدمت إلى مملكة الخيال من شهر مضى ...يقول أنك تجمع الصغار وتحكي لهم قصصا تمس جلالة الملكة بالسوء...حتى إنتشر خبرك وذاع صيتك وأصبحوا يلقبونك بمجنون الملكة...وأحضر لنا ما يثبت صدق إتهامه لك...بين يدى الآن مخطوطات خطها قلمك فيها عشرات القصص التي تدعي فيها أن الملكة تعشقك وأنت تعشقها...إن جريمتك تلك تستوجب الحكم عليك بالموت...
أما الإتهام الثاني فهو من جارية تتهمك بسرقة خبزها وهي التي دلتنا على صفتك وهيئتك فتم القبض عليك...
فما قولك فيما اتهموك به؟
الفتى : سيدتي يستوي عندي الموت والحياة ...ليس لدىٰ شئ أضيفه...فافعلي ما أنت فاعلة
= يجب ان تدافع عن نفسك وإلا حكمت عليك الملكة بالموت ...أخبرني الحقيقة وأعدك أن أتوسط لك عند الملكة لتعفو عنك!
_ سيدتي وهل يعقل أن مثلي يعشق ملكة البلاد وتعشقه...قد كان لي قديما حبيبة من عامة القوم ...حالها من حالي...أعشقها وتعشقني ...مرت سنوات على فراقنا...لقبتها بالملكة ...كانت تفرح كثيرا عندما أناديها بذلك اللقب...بعد الفراق تركت بلدتي هائما في البلاد...حاملا اوراقي وقلمي كتبت من خيالي قصصا تؤنس وحدتي ...جعلت منها ملكة تحكم عرش قلبي ...
أما سرقة الخبز ...فتلك جريمة لم أفعلها ...تلك الجارية شطرت رغيفها نصفين ...أعطتني نصفه ...حتى أني لم آكله حتى الآن ...ها هو خبزها بين يدي خذيه ...لا اريده...
إغرورقت عين الملكة بالدموع قالت : إني أصدقك ...فلا تخشى شيئا ...بعد قليل سأعطيك أوراقك وقلمك وستنصرف في أمان لا يمسك سوء ...
ولكن لتعلم أن هناك ملكة ليست من وحي الخيال ...لم تعرف عن العشق شيئا ...حتى إلتقت يوما بفتى ظنت أنه يعشقها ...تعلقت به بجنون...وقفت أمامه والدمع يملئ عينيها ...تريد أن تحتضنه بشده...لكنها لا تستطيع...هي تراه ولا يراها...تقف أمامه وتعلم أنه اللقاء الأول والأخير...هو من عامة الشعب لكنها لقبته بالملك أطلقت عليه لقب " حاكم مملكة الخيال"...هو كذلك في نظرها وسيبقى...أيها الفتى إن ما سردت عليك الآن قصة حقيقة حدثت بالفعل ...أما عن نهاية تلك القصة فلا أعرف كيف ستنتهي...
أيها الفتى إليك لفافتك ومحبرتك وقلمك ..ونصف رغيفك...فامض في حال سبيلك...يمكنك الأنصراف الآن ...
الفتى : سيدتي كيف يمكنني الإنصراف وأنا معصوب العينين!
صرخت الملكة : لتفتح الأبواب الآن
ياقائد الجند خذ الفتى لا يمسنه سوء ...لتذهب به خارج أسوار المملكة ...عندها انزع عنه عصابة عينيه...واتركه يمضي في حال سبيله...
" فلما انصرف الجند والفتى ...جلست تبكي بحرقه...
في الصباح استيقظت الملكة تجلس على مائدة الإفطار مع جدتها ...
رأتها جدتها شاردة الفكر عيناها دامعة...
الجدة : ياحفيدتي أعلم أن أمور الحكم أصبحت ثقيلة عليكِ ...لكن قد إقترب موعد النبوءة ...تلك النبوءة لم أقصها عليك من قبل...عند ولادتك أخبرتني العرافة ...أنك ستصبحين ملكة بلاد الخيال ...وأخبرتني أيضا أن من سيشاركك الملك ...فتى سيظهر في هذا الشهر ...من هذا العام ...قالت العرافة حينها أنه سيكون حافي القدمين ...ثيابه رثة ذات رقع يحمل بيده نصف رغيف...سيسوقه إليك القدر صدفه...
الملكة : جدتي ماذا تقولين ...لما لم تخبريني من قبل ...ويلي
إمتطت الملكة فرسها ...إنطلقت وكأنها تسابق الريح...ظلت تبحث عنه في كل البلاد...لم تجده...ذهبت إلى ممالك بعيده ...مضت الأيام والشهور لكن لم تجده...لم تفقد الأمل...هامت غريبة في ممالك بعيدة...يلتف حولها الصغار وتحكي لهم قصصا خيالية عن حاكم مملكة الخيال...
حتى دخلت مملكة يحكمها ملك...التف حولها الصغار تحكي لهم قصصها ...ذاع صيتها في تلك المملكة وأصبحوا يلقبونها بمجنونة الملك...
تنكر ملك تلك البلاد ...في هيئة شحاذ ...خرج يتفقد أحوال الرعية....دخل السوق....أطربته أصوات الباعه....عشق الإزدحام....إقترب من بائع الخبز....
يابائع الخبز أعطني رغيفا.....
فأخذه...هم بالإنصراف....
صرخ البائع : أيها الشحاذ ....أين ثمن الرغيف؟....أريد دينارا
قال في نفسه" ويحي ...ليست معي نقود..ماذا سأفعل"
قال : يابائع الخبز أمهلني بعض الوقت لأعود لك بدينارك...
أيها الشحاذ المخادع ....ردي إليَٓ رغيفي وأغرب عن وجهي..
فإذا بفتاة حافية القدمين....ثيابها رثه ذات رقع.....تحمل بيدها محبرة وقلم ولفافة ورق قالت: لا عليك أيها الشحاذ....إحتفظ بخبزك وأنصرف....
فنظر إليها البائع متعجبا: أيتها الحمقاء ....يامجنونة الملك...وهل تملكين دينارا ثمنا له؟!...
الفتاة : لا أملك إلا هذا القلم وتلك المحبرة وهذه اللفافة....رهنتهم لديك لساعة واحدة ...فإن لم أعود صاروا ملكا لك...
البائع ساخرا : حسنا لابأس ...لك ما تريدن...أيتهاالمكذوبة
فلما همت بالإنصراف قال: ياأنتي إنتظري....فشطر رغيفه نصفين ....قال إليكِ بنصفه فاقبليه مني ...
الفتاة : حسنا قد قبلت ....
قال : من أين ستأتين بالدينار....إلي أين أنتِ ذاهبه؟
فنظرت إليه مبتسمة : أيها الشحاذ لا شأن لك...عد من حيث أتيت....
النهاية ( نصف رغيف)
بقلم / محمد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق