سَاحِلُ الشَّوْقِ
***********
أُتَى الْخَرِيفُ مُسْرِعًا؛
فَطَرَقَتْ الرِّيَاحُ نَافِذَتِي ،وَبَعْثَرَتُ دَفَاتِرِي ، وَرَمَتْ سِهَامَ الْحُزْنِ فِي قَلْبِي ،
وَ عَلَا نَزِيفُ أَنَامِلِي
لِيَكْتُبَ مَلْحَمَةً فِي طَيِّ الْهِجْرَانِ...
أَذْرَفَتِ الْعُيُونُ أَمْطَارُهَا
مُثْقَلَةً بِالْغَمَامِ الرَّمَادِيِّ ،
اِخْتَرَقَتْ سَتَائِرُ شُجُونِي ،
وَتَضَارَمَتِ الْأَشْوَاقُ لِتُعْلِنَ
ضَيَاعَ الْأَحْلَامِ الْغَافِيَةِ فِي بُحُورَالنِسْيَانِ ...
وَأَخَذَ سَاحِلَ الشَّوْقِ بِالْمَسِيرِ
فِي مَنْفَى غُرْبَتِي ..
وَإِذَا بِي أَسْمَعُ هَمْسًا فِي حَضَرَتْ قَصَائِدِي ،
يُنَاغِي ذِكْرَيَاتٍ كَانَتْ بَعِيدَةً
حَبِيسَتْ فِي مَقَاعِدَ الِانْتِظَارِ ،
تَبْحَثُ عَنْ ظِلُّكَ عِنْدَ مُرُورِ الْعَابِرِينَ ،
تُلْغِي مَسَافَاتُ الشَّكّ بِالْيَقِينِ ،
كُلِّ لَحْظَةٍ يَعْصِفُ عَطِرَكَ بِذَاكِرَتِي ،
يُحَلِّقُ بَيْنَ كَلِمَاتِي وَأَشْعَارِي ،
يُزَاحِمُ الرِّيحَ وَأَوْرَاقَ الشَّجَرِ ،
وَيَقْلِبُ عِشْقُهُ مُرَافِى أَفْكَارِي ،
وَتُعِيدُ بِي كُلّ تَفَاصِيلَهَا...
قَل لِي : مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْعُنْفُوَانُ ؟ !
كَادَتْ تَقْتُلْنِي قِصَّةَ غَرَامِكَ الْوَاهِمَةَ
لَمْ أَكُنْ قَضِيَّةً مِنْ قَضَايَاكَ الْبَائِسَةِ،
وَلَا تَحْقِيقَاتِكَ الْمُرْعِبَةِ ...!!
بِلْ كُنْتُ فِرَاشةً تطِيرُ فِي حُقُولِ مَوَاسِمِ الْفُصُولِ،
قَاسَمَتْ ضَحْكَاتُنَا نَظَرَاتِنَا ،
الْعُشْبُ وَالْأُرْجُوَانِ وَالْيَاسَمِينَ
أُسِّسَتْ دَوْلَةٌ لِلْعَاشِقِينَ ...
تَمَلّكَتَ فِيهَا أَيُّهَا الْمَعْشُوقُ كُلّ التَّفَاصِيلِ ...
حَفَرَتَ اسْمَكَ عَلَى جُدْرَانِهَا مُزَيْنَةً بِالنُّقُوشِ . .
يَشْدُو صَوْتَكَ مِثْلَ رَائِحَةِ الْمَطَرِ وَالْخَمَائِلِ وَالزَّهْرِ ،
كُنْتُ أَسِيرَهُ فِي مَمْلَكَتِكَ ،
أَهْرَبُ كُلِّ حِينٍ وَحِينٍ نَحْوَكَ ...
أَفْنَيْتُ عُمْرِي فِي هَوَاكَ زُهْرَةٍ بَيْضَاءَ
تَزْهُو بَيْنَ يَدَكَ طِفْلِةٌ شَقْرَاءَ
تَبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مَسْكُونٍ
يَكُونُ لَهَا الْأَمْنُ وَالْأَمَانُ فِي مَحْضَرِ غَرَامِكَ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق