الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

نصف رغيف ...بقلم الشاعر محمد عيسى

 (نصف رغيف)

خلعت تاجها....تنكرت في زي جارية....غطت وجهها...خرجت تتفقد أحوال الرعية....دخلت السوق....أطربتها أصوات الباعه....عشقت الإزدحام....إقتربت من بائع الخبز....

يابائع الخبز أعطني رغيفا.....فأخذته ...همت بالإنصراف....

صرخ البائع : أيتها الجارية ....أين ثمن الرغيف؟....أريد دينارا 

قالت في نفسها " ويحي ...يالخيبتي.... نقودي كلها بالقصر...ماذا سأفعل"

قالت يابائع الخبز : أمهلني بعض الوقت لأعود لك بدينارك...

أيتها الجارية المخادعة ....ردي إليَٓ رغيفي وأغربي عن وجهي..

فإذا بفتي حافي القدمين....ثيابه رثه ذات رقع.....يحمل بيده محبرة وقلم ولفافة ورق قال: لا عليكي أيتها الجارية ....إحتفظي بخبزك وأنصرفي....

فنظر إليه البائع متعجبا: أيها الأحمق ....يامجنون الملكة...وهل تملك دينارا ثمنا له؟!...

الفتي : لا أملك إلا هذا القلم وتلك المحبرة وهذه اللفافه....إني راهنهم لديك لساعة واحدة ...فإن لم أعود صاروا ملكا لك...

البائع ساخرا : حسنا لابأس ...لك ما تريد...أيها المكذوب

فلما هم بالإنصراف قالت : ياهذا إنتظر....فشطرت رغيفها نصفين ....قالت إليك بنصفه  فاقبله مني ...

الفتي : حسنا قد قبلت ....


قالت : من أين  ستأتي بالدينار....إلي أين أنت ذاهب؟

فنظر إليها مبتسما : أيتها الجارية لا شأن لكِ....عودي من حيث أتيتي....

فإذا به يمد الخطي راحلا....

قالت أيها البائع : لماذا إتهمته بالجنون لماذا نتعه بمجنون الملكة؟

ضحك بائع الخبز : أيتها الجارية إنه يهيم عشقا بالملكة يجمع الصغار ويحكي لهم  كذبا قصصا خيالية ....وما نراه إلا مجنونا بعشقها....

فلما سمعت ذلك ....هامت تجري تنظر يمينا ويسارا....تبحث عنه....لكن بلا فائده....قد إختفي بين الزحام....فلما أعياها البحث....عادت مسرعة إلي القصر....

صرخت بأعلي صوت : ياقائد الحرس أعد لي موكبا مهيبا الآن علي الفور....

وما كانت إلا دقائق وقد إكتمل موكب مهيب.....وضعت تاجها....كشفت وجهها....خرجت في زينتها....وكلما مر موكبها علي نفرٍ خروا ركعا....يهتفون عاشت الملكة ....وعند بائع الخبز وقف موكبها....

قالت : إتوني بهذا البائع ....

قالت : أيها الأحمق ...هل عاد إليك صاحب القلم...

البائع : مولاتي كيف علمتي....

الملكة  : أجب ولا تزد حرفا....

مولاتي مرت الساعة ولم يعود.....ها هو قلمه ومحبرته ولفافته هم لكِ يامولاتي ....وخر البائع راكعا خائفا....

فأمسكت بلفافتها وفتحتها فإذا بها تقرأ قصص في عشق الملكة....وكلما قرأت فاض دمعها.....حتي قرأت أخر قصة ....وصلت للنهاية ...فإذا بها تقرأ " يوما ما ستقرأ الملكة كلماتي....ويفيض دمعها....فالآن قد أيقنت هي أني قد رحلت.....فلم ألتقيها مرة ....ولن ألتقيها أبدا....إلا في خيالي "

 فلما إنتهت وقد بللت دمعاتها الورق....

قالت : ياقائد الحرس إبحثوا عن فتي حافي القدمين....ثيابه رثه ذات رقع....يحمل بيده نصف رغيفا


بقلمي / محمد عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق