الأحد، 17 أكتوبر 2021

المشهد الأخير ....بقلم الأديبة سمية مسعود

 .المشهد  الأخير .

تستوى دده  حليمه في جلستها وتضع يدها على حلقها ثم تخرج حشرجة منفصلة وهي تنظر إلى اللقمة بين يديها .تفتح فمها لتلتقمها لكنها تشعر بآلام حاد تكتم على أنفاسها فتأخذ  في السعال بشدة وبابتلاع ريقها لتبلل جفاف حلقها.   يهدئ ولدها من روعها ويناولها شربة  الماء لكنها تسعل وتسعل فينتفض فراشها  الهزاز وتحمر عيناها وتسيل منهما دمعة حارة وهي تقول:" يا وليدي حلقي مسدود ونفسي مقبوضة ".


 في الحال يندفع المنذر خارج الغرفة كالبرق وهو يعلمها بنية إحضار الطبيب. وفي لحظة جمع فارقة،  يلتقي الشاب والخال  في ناصية الباب هذا خارج بألمه وذاك داخل بأمله  وكلاهما  يطلب النجدة .

   أما مصائب الدنيا اذا عمت أصبح الموت مستودعا  يحفظ  صندوقها الأسود  .   فدده حليمه لم يمهلها القدر كيف تفضّ  هذا الإشكال.  لقد ماتت متأثرة بفيروس كورونا   المستجد

 "كوفيد " بعد فشل جسمها الهزيل عن المقاومة.  ماتت بالفيروس الذي استنكر المنذر وصوله إليها وهي التي لا تفارق المنزل إلا لتتوقف على العتبة  أحيانا متفقدة  له . وقد غاب عنه أنه هو نفسه من حمل هذا الفيروس إلى المنزل. لم يكن يعلم المسكين أن دخوله للمقهى تلك المرة  قد كلّفه الفراق.  لم يكن يتصور يوما أنه من سرّع في موعد الوداع .لقد سعى الشقي بما أُوتي  من حيلة و جهد أن يسعد "هذه الحليمه" كأن يهديها نجاحه ويقتسمها رغيفه وأن يدّخر في ركن بيتها مرتّبه وأن يزفّ إليها عروسه التي يهواها وأن يزور معها بيت الله الحرام وأن يرفع عنها ثوب الشقاء . لقد عاش بسر الايمان المتعلق بدوام رضاها  فهو يحبها حبّا لله  وبرضى وتوفيق من الله كان عدستها التي تستنير بها وكانت مصباحه في عتمة البؤس الذي لازمه لولاها . ها هو اليوم يطعن حبّة الخير الوحيدة في حياته. ويغدر قلبها المترهّف  لإسعاده بشقاوته . 


    اليوم نهاية الأسبوع الأول من شهر رمضان سنه 1441 هجري وبموجب قواعد السلامة الصحية الخاصة بفيروس  كورونا أثناء الموجة الأولى  التي تسمح بحضور  فرد من العائلة أثناء مراسم الدفن الرسمية التي يقوم بها أعوان السلطة في أزياء خاصة بالبروتوكول الصحي .اليوم  سيدفن الابن أمه وحيدا  .  ودده حليمه  عن ذلك راضية.  فهي لم تعش الدهر إلا لوحيدها الذي بقي بعدها وحيدا...  يحمل  وزر أحلامها التي لم ترها فيه  رغم كل ما نذره لها من وعود .


                                              تمّت بحمد الله 


                            (   رمضان441 1  /   أفريل 2020)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق