الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

حصير الشوك ص17 بقلم الأديبة سمية مسعود

 كان المنذر يعصّب رأسه بلحاف قديم ويرفل في ثياب متواضعة وهو يمرّر ريشة الدهن أعلى السقف وقد اعتلى أرفع درجات سلم قديم وكانت أمه تبخر الاجواء وترتب الساحة حين نزل بينهما النوري عبيش محملا بما تيسر من المؤونة كما تعوّد  حيث توسط الفناء بشكل جعله قادرا على مخاطبتهما معا .
انسابت بعض الجمل المقتضبة بينهم إلى أن أفصح عند خروجه عن سبب زيارته الخاطفة.  فسعاد تقرئ عمتها السلام وتشكو إليها قسوة المنذر الذي يهملها.
 
       تدور عقارب الساعة. وتشرق شمس يوم ربيعي جديد على منزله ورائحة الدهن الأبيض تزكم الأنوف وزقزقة العصافير تتّقد على أغصان الكرمة اليتيمة المحاذية لنافذة غرفته الغربيّة. يتمطّى صاحبنا ويتلذّذ دفء الغطاء مجددا طمعا في قسط إضافي من الراحة بعد يوميْ عمل مضنييْن في رحاب دارهم التي تزينت بمظهرها الجديد بعد طول إهمال .
  ينشرح بصره برؤية النور المتلألأ مع ذرات التراب المنساب بين مصرعي باب الغرفة .ينادي أمه  بصوت خافت ثم سرعان ما امتدت يده إلى المصطبة التي تحاذي سريره فيأخذ هاتفه الجوال ليتفقد ما فاته من أحداث. تمرّ دقائق فيعترضه الخبر العاجل ."في زمن الكورونا قارب يضمّ 35شخصا يصل إلى الشواطئ الإيطالية منهم نساء حوامل ".
يقرأ المنذر الخبر فيهتز جذعه  وكأنما تلقى وخزات إبر بلورية بين أضلعه فترتعش أصابعه وتتوه عن سطح الشاشة لتعود بسيجارة بين فروجها ثم بالولاعة. تتالى دقات قلبه مندفعة فتلتهب حرارة الأوردة والشرايين في جسمه فينفث الدخان من فمه وهو يلج في تفاصيل الخبر الذي هزّ صداه سلام روحه فكان كرنين جرس كنيسة في قبة نحاسية ليلة الاحتفال.
ما خاب ظن المنذر يوما ومازاغ حدسه إلا نادرا كان يقرأ التفاصيل في لجة من الغيوم الداكنة لنفث السيجارة وكان غزل الشك لديه ينفرط عقده مع كل سطر إضافي يقرأه عن الموعد ومكان انطلاق الرحلة ليتأكد أنها رحلة الهجرة بالنسبة إلى .......فتحي..وكمن يفر من لسعات اللهب المستعر يقفز المنذر من فراشه وينتعل حذاءه متجها دون أن يلتفت صوب الباب كسيف فارق سيفه  ليوصد الباب وراءه وهو يقول  صائحا .:"ياامّي  .حضّري الفطور هاني راجع".
                         ص17
                                   يتبع....

سمية مسعود تونس 🇹🇳

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق