ليلة أخرى باردة ..
==================== ليلة أخرى باردة. وما زال يقف على أبواب العمر يتأمل بقايا أوراق الخريف. هذه الشجرة كم يحبها وكم يسأمها أحياناً.
دفن ذكرياته تحت ظلالها. شرب قهوته مع الجيران وتسامروا طويلاً تحت أغصانها في ليالي الصيف الجميلة.
لكنه الآن يتجنب المرور من تحتها تحاشياً من قطرات ماء المطر العالقة على أوراقها وقطع الثلج أحياناً.
ينفث دخان سيجارته مع بقايا صور تتقلّب في ذاكرته يأساً.
ليلة أخرى باردة. والشارع خاوٍ إﻻ من قطة تبحث عن بقايا طعام في صناديق القمامة.
ﻻ أحد. ﻻ أحد. غالبية الأصدقاء رحلوا قسراً. حتى أبو نعيم رحل مع عائلته تحت جنح الظلام خوفاً من الموت .. هذا المجنون حصد أرواح الكثيرين الكثيرين ... لكنهم ارتاحوا .. هناك في مدينة المقابر ..
ليلة أخرى أكثر برودة ومطراً .. صفير الريح يرعبه.
يحدّث نفسه .. ماذا بقيَ هنا؟ حتى القطط لم تعد تظهر في الشوارع.
يسمع أنيناً وصوت نحيب يمزّق القلب. يدخل إلى الغرفةِ الخلفيةِ التي اتخذها مخبأً آمناً .. يرى أم الأوﻻد تبكي ..
الأطفال نيامٌ. يحتضنها بحنان. يسألها .. مايبكيك؟
تنظر إلى الأطفال بعينيها الدامعتين. تهمس بصوتها الواثق الرصين: لن أترك البيت مهما كلّف الثمن .
يقول: ولكن الجميع رحلوا.
- لن أرحل. سأبقى مع أوﻻدي في بيتنا. لن أترك الغربة تشردنا. إن شئت فارحل لوحدك.
يبتسمُ . تخنقه العبرات ... لقد حفرت قبراً واسعاً في الحديقة الخلفية. سنعيش هنا أو نموت هنا .. فجأة ،
دوي انفجار هائل تهتزّ له الجدران. يلقي بنفسه عليها ليحميها.
لم يعد يراها. وﻻ حتى الأوﻻد .. الغبار والشظايا والحجارة والسقف. الموت بسط جناحيه بقسوةٍ عليهم.
لقد انتهى كل شيء ... كل شيء ..!
بقلمي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق