"وريري وريري عاشق النبي يصلي عليه ، اليوم خميس وغدوه خميس ، الحاضر محمد والغائب ابليس ..هات الكانون والبخور "
يخترق النمس جمعا من الروافد البشرية المنتشرة في فناء المنزل ويتفادى سلسلة الأطفال المهللة ويتنحى مجانبا رقعة الدماء التي لا تزال متلألئة حول" الكرمة" ثم يخفض رأسه تحت حبل الغسيل المشحون بالملاءات والمناديل. وسرعان ما تداهمه نوبة اختناق جراء جرعة البخور المبالغ فيها فيسعل قويا ويشرع في مسح دموعه بكمّ قميصه الطويل الذي قلما ثناه إلى مرفقيه. فيتخير الوقوف عساه يظفر بالتفاتة خاطفة من كريمة " النورى" كما يمنحه الوقت الكافي للخروج من المخزن لمقابلته . فيلقي التحية على ثلة من النسوة متجمعات حول قصاع كبيرة يعالجنا أحشاء الخروف وطبول قلبه تنتظر صوتا أو نظرة من حبيبة أحلامه "فاطمة "او كما يحلو له أن يدعوها "فطّوم " فينهره طنين المعلم داعيا إياه إلى دخول المخزن .
_ السلام عليكم .إن شاء الله كل شيء بالبركة سي نوري و العاقبة للعرس .
_ اي وقتها تجينا بالاستدعاء.
_ والله ياسين نوري مش مني انا ...
*2*
شارف الوقت على الضحى و"فتحي" جالس بمفرده في زاوية منفرجة من المقهى طالما فضلها عن باقي الأركان..مؤثثات جلسته روتينية. قهوه سوداء وقارورة ماء معدنية واحيانا قطعة مرطبات يكتفي منها عادة بقضمة أو قضمتيْن في حين يجتهد في ملء المطفأة بأعقاب السجائر ؛ سجائر تنافس أصابعه النحيلة في مرورها على شاشة هاتفه الجوال .
يشتد الصرير المتأتي من شجرة الزيتون التي حجب فيؤها جزءا هاما من واجهة المقهى ومن بلور النافذة التي ينيخ عندها . فيزداد توتر فتحي سيما أنه على بيّنة من مواعيده الزائفة ومماطلاته الكريهة .فيشعل سيجارة أخرى متلسنا قدح القهوة الذي يشاطره الصبر وينفذ دخانا يشكل إعصار ا ابيض يلف دوائر اسطوانية إلى حيث التلاشي فيرنو بصره وعيناه شبه مغمضتين فيراها مبتسمة وقد توسدت قبضتها بوجهها الصبوح وجدائله السود تتخلله حينا وتنصهر أخر .تآكلت سيجارته حتى لدغه رمادها فأفاق من غفوته وأجمع عزمه على المغادرة متوعدا إياه بالويل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق