الجمعة، 30 ديسمبر 2022

أنا و الشتاء و البرد ....بقلم الشاعر د.محمد موسى

 ♠ ♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ ♠ ♠ ♠


 ♠♠ ♠أنا والشتاء والبرد♠ ♠ ♠ 


♠ ♠ عندما يأتي الشتاء ، يتجه بصر بطل القصة إلى أهلنا اللاجئين في الخيام ، وإلى من يعيش في العشوائيات في بيوت من صفيح ، أو من مواد لا تقي من البرد ، أو إلى المشردين في الشوارع ، وبطل القصة يعرف ماذا تعني كلمة برد ، فهو عندما كان يدرس في إنجلترا ، عاش شتاء لندن ، ولولا الثقيل من الملابس لهلك الإنسان برداً ، كذلك التدفئة المركزية والتي تملئ البيوت دفئاً ، وعندما كان يدرس في أمريكا ، حدث يوماً أنه خرج من باب الجامعة يوم ٢٣ ديسمبر قبل إحتفالات الكريسمس عند المسيحين الغربين ، فإذا الجو يومها في بوسطن لا يحتمل ، فقد بلغت حرارة الجو 30 تحت الصفر ، ولا تقول عن هذه الحرارة شيء حتى تعيشها ، حتى أنه لم يذهب إلى موقف السيارات ليأخذ سيارته من شدة البرد ، فهو خارج لتوه من الجامعة ذات التدفئة المركزية ، ووجد نفسه يجري فى الشارع إلى منزله ، الذى يطل على نهر ألبرت والذى تجمد هو أيضاً من الجو منذ شهر أكتوبر كاكل عام ، وبيته يبعد حوالي ٧٠٠ متراً فقط عن الجامعة ، ودخل إلى بيته مسرعاً حيث هو دافئ أيضاً مركزياً ، دار هذا الشريط أمامه وهو في القاهرة ، وهو يرى مشهد لا يصدق ، إمرأة متوسطة العمر تجلس على رصيف في هذا البرد ، وتخرج ثديها لتطعم صغيرها الذي يبكي جوعاً ، وطفلان صغيران أدخلتهم تحت جلبابها حتى يأخذوا بعض الدفئ من جسدها ، وهي ترتعش برداً ويبدو هذا على شفاهها زرقاء اللون من البرد ، وفجأة تقف سيارة ، وتنزل منها سيدة ذات ملابس راقية ، وتدفع إلى الأم وأولادها الثلاثة ، ببطانية أخرجتها لتوها من كيس بلاستك كانت فيه ، إرتسمت إبتسامه على وجه الأم ، لم يرى بطل القصة في حياته أصدق من هذه الإبتسامة ، وأندفع بطل قصتنا  إلى السيدة قبل أن تركب سيارتها ، وسألها عما فعلت ، قالت: له وهي تبتسم إبتسامة هادئه تعلو وجهها الذي يشع منه نور لا يصدق ، إنني كل شتاء أشتري عشرة بطاطين ، وأخرج بسيارتي ليلاً ، فإذا صادفت أحد ينام في العراء ، دفعت اليه بواحدة ، تملك بطلنا الذهول والإنبهار والسعادة معاً ، ولم يقل لها شيء على الإطلاق إلا انه ترك لها رقم تليفونه ليتواصل معها إن أمكن ، حتى يطوروا هذا العمل الراقي ، وفعلاً إتصلت به في اليوم التالي ، شكرها على إتصالها (فمن النادر أن سيدة عربية قد تثق في رجل غريب بهذه السرعة ، عرف بطل القصة هذا الأمر من كونه عربي يعيش في مجتمع عربي ، ولاحظ هذا الفرق بين المرأة في المجتمع العربي ، وبين المرأة في المجتمعات الغربية الذي عاش فيه بين أوربا وأمريكا عند دراسته ، فالمرأة الغربية تثق في نفسها والقانون يحميها ، ولا يستطيع رجل إرغام أنثى على فعل لا ترغبه ، وكذلك المرأة العربية لا ترغم ، إلا أن هناك فارق بين المرأة الغربية والمرأة العربية هذا الفارق ، يبدو أنه بسبب التربية للإناث في المجتمعات العربية ، والتي تحذرها من الرجال المتربصين بالإناث وكأن الحياة غابة ، أي أن الحياة يعيشون فيها بلا ضوابط أخلاقية ، أو لعدم بث الثقة داخل بناتنا منذ الصغر ، فبطل القصة تعلم من بيته ومن تربية أمه لأخواته ، بأنهن أحرار لا يرغمن عن فعل فعل إلا بإرادتهن ، والإسلام الحنيف حصن الإناث بالقيم التي تجعل كل منهن لا تخاف إلا من رب العالمين ، شغل هذا الأمر بطل القصة إلا أنه ليس هذا هو الموضوع المقصود الأن) ، وبعد التحيات عرض عليها فكرة ظلت بخاطره من الأمس بعد أن رأها تفعل هذا الفعل الراقي ، وفكرته تدعو إلى تطوير هذا العمل الخيري الرائع ، وفكرته هي لماذا لا يرسل متطوعات لمساعدتها في تجهيز شراب ساخن وليكن عدس أصفر مثلاً ، والذي يحبه جميع المصريين ، ويقمن بتعبئته لها في عبوات من مادة الفوم تحفظ الحرارة ،  وتوزعه كما البطاطين طوال الشتاء ، ويتولي هو كل التكاليف ، شكرته برقة ومن يومها تم دعوة كل قادر على فعل أي شيء ، لمن لا يملك أمام البرد إلا الدعاء لله ، ويسأل الله سبحانه وتعالى وهو أرحم بعباده منا ، أن يعطيهم دفئاً من عنده ، كتب بطلنا هذه القصة ، عندما كان يجلس مع عائلته وحولهم الدفيات الزيتية ، التي تشع حرارة ، وعندها كانت الأرصاد الجوية تعلن أن الطقس فى مصر هذا العام ، لم يحدث من ١٢٣ عاماً .


♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق