الجمعة، 25 نوفمبر 2022

قيد الأحزان ....بقلم الشاعر محمود العارف علي

 قصة قصيرة

قيد الأحزان

-----------------

عاد صديقي اليوم من الغربة إلى وطنه بعد مرور أربع سنوات عاشها غريباً ومحروماً من كل شيء يدعو للحياة، لكنهُ عاد بعد أن غادرت الروح جسدهُ  عاد ميتاً في تابوت قد أُغلق بإحكام، بعد أن هاجمهُ الموت دفعة واحدة ، أبت الأيام أن تمنحهُ  هُدنة محارب فضاقت عليه الأرض بما رحبت ولم تمنحهُ  مساحةً أكثر من مترين طول في متر عرض، وما العجب في ذلك ففي الكثير من الأحيان يعود الغرباء إلى أوطانهم اجساداً غادرتها الأرواح ، لكن الفراق أشد من الموت وعلى إثر هذا الخبر الذي إنتشر ليلاً في أرجاء القرية في غضون لحظات، هرول جميع أهل القرية ناحية الجسر الشرقي  منهم من خرج حافياً، ومنهم من نزعت ثديها من فم صغيرها وحملتهُ وركضت، ومنهم من تركت نصف ضرع الجاموسة دون أن تحلبه وركضت، ومنهم من وقفت نصف اللقمة في حلقِه وبصق النصف الآخر على الأرض، ومنهم من أخرسه الخبر فركض صامتاً  بعينين شاخصتين. الطريق إلى المقابر التي تقع على الخط الزراعي بالقرب من حافة المصرف كانت أجمل بكثير قبل أن تشوهها المباني. تعالت صرخات النساء إلى أبعد الحدود تلك الصرخات التي هزمت هدوء الليل ونقيق الضفادع  وأرهبت الطيور الراقدة فوق أعشاشها وألجمت كل شيء.  لقد وصل الميت جاهزاً للدفن الآن ، يالهُ من مشهد يخلع القلوب،  سقطت امرأه مغشياً عليها حينما رأت النعش بعد أن شقت ثيابها وهي تخاطب الميت  استحلفك بالله احمل سلامي إلى ولدي لقد مات صغيراً مثلك  قل له كلمتين فقط، إن قلب امك مازال ينزف، مرت عشرون سنة وسبعة أيام لم يتوقف فيها قلب أمك عن النزيف ياولدي ، فبكينا جميعاً ولمَ لا فهذه الكلمات تُسقط الجبال من عليائِها  وتحن لها القلوب حتى لو كانت أحجاراً. اما أنا فكنت احمل نعش صاحبي  فوق رأسي ومن يحمل نعشهُ غيري لقد كان ملمس التابوت ناعماً كملمس الزجاج لكنهُ كان ثقيلاً جداً حتى أنهُ يُخيل إلي أن التابوت كان أثقل من صخرة  الروك،  لقد كان مُثقلاً بخيبات أمل لا حصر لها وأحلاما غائرة في عيون الموت، انقطع به الطريق سريعاً قبل أن تنتهي خطواته وقبل أن  يبلغ مُنتهاه، وكالعادة تعالت أصوات المشيعين  في جنازتة في نبرة واحدة لا إله إلا الله، لا دائم إلا وجهُ الله ارحم عبدك ياالله حتى أنك لا تستطيع أن تفرق بين تلك النبرات لا إله إلا الله لا دائم إلا وجهُ الله ارحم عبدك ياالله ، لكنني كنت اُردد خلفهم  في سري وأقول لقد تعب عبدك ياالله بينما كان  ينتظر الحياة  مات ياالله،، مات في الأرض البعيدة ياالله،، مات غريباً ياالله مات صغيراً ياالله أوتدري ياصديقي لقد اشتريت التأشيرة من اجلك ومن اجل أن  لا تبعدنا المسافات كنت قادماً إليك قريباً، أنا لم أفكر في يومٍ من الأيام ولم يخطر في بالي ابداً أن تتركني وترحل إلى القبر فلو أننا مِتنا معاً في ساعه واحدة ولحظة واحدة إذاً فما أجمل الموت، لماذا تركتني  وحيدا هكذا أعيش على قيد الأحزان حتى ألحق بك انا مثلك ياصديقي مكسور الجناح لذلك لا استطيع الطيران إلى الموت لكي ألتقي بك سوف أنتظر الموت هنا ريثما يهاجمني دفعة واحدة سوف أجيئك مُحملاً بجميع السلامات.


بقلمي / محمود العارف علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق