أشباح الزمن الهارب
قصة قصيرة ،،، الحمصي المتارك ،،،
و كأنه شبح قادم من العصور الوسطى ببذلته الزرقاء بالية اللون قزمية القامة . يحمل قفة أعاد لحمة قاعها المهترئ عدة مرات . تحكي الفاقة و ضعف الحيلة . حمل بصره المثقل بأوزار أخطاء المسؤولين عن تآكل قدرته الشرائية . عند رؤيتي ظننت أنه لـــــن يعرفني .
- كيف الحال يا بني . ؟؟؟ يسلم صابر . ذكرني باسمك . انه فعل الشيخوخة ، و الأولاد و مشاكل المعيشة .
قاطعته .
- بكل هدوء عمي صابر . أنا نضال . هل نسيت إسمي . ؟؟؟؟ إلى أين . ؟؟؟
- كما ترى يا بني ، العِفَة و الزيادة في أسعار القفة .
يتكلم عمي صابر . و في كل مرة يتطلع بنظره إلى السماء . دائم الحركة باليد اليمنى و قفته باليسرى ، لا حراك لها . جامدة جماد صقيع جيبه المثقوب . يلتفت يمنة ثم يسرة ، و كأنه هارب من مشكلة . أو مطاردٌ منْ أشباح . كثيرا ما كلمني عن صاحب البيت الذي يسكنه . و الذي هو عبارة عن غرفة واحدة داخل منزل ، بدورة مياه واحدة . كم كان يضحك و هو يفشي بسر هذا المنزل ، و الذي وصل تعداد سكانه إلى ثمانية و عشرين فردا . ستة عائلات . تسكن كل واحدة غرفة . الأب و الأم و الأطفال . و منهم من هو في سن الزواج . لم أتمالك كثمان غيضي و أنا أسأله .
- ألا ترى يا عمي صابر ، أنكم تفرخون أكثر من اللازم . و العصر غير العصر . ؟؟؟
أجاب بدون تفكير .
- كل برزقه ،،،
- يا عمي ،،، هذه خرافة أكل عليها الدهر و شرب . و بضحكته المعهودة والخاصة يرد .
- هل تعلم يا نضال بأن طابور الدخول إلى دورة المياه اليتيمة بهذا المنزل . يستغرق ساعة بالكمال و التمام . ؟؟؟؟ لأقاطعه .
- هيا ،،، هيا عمي صابر لنشرب قهوة . يظهر أنك غير قادر على الوقوف من تعب يومك هذا .
- نعم يا بني ، أصبت . إنه البحث عن لقمة العيش . من الساعة السادسة صباحا إلى الخامسة مساء . ناقص ساعة لتناول القليل من خبز حافي . و كوب شاي كوجبة غذاء . ظروف العمل قاسية جدا .
- عصير لعمي صابر ،،،
- عصير ،،، !!!! ،،؟؟؟؟؟ لم أذقه مند أن قذف بي رحم أمي إلى هذه الدنيا . ثم يا نضال ، جيبي ،،، جيبي لا يحتمل وزر سعره .
- لماذا يا عمي صابر . ؟؟؟ أ لهذه الدرجة أنت معسر . ؟؟
- و أكثر . كيف لا أكون معسرا و قد أنهَكَتْني ،،،
يضع رأسه بين يديه . مطرقا سابحا في سعار هذا الزمن المكشر عن أنياب لا تبقي و لا تذر . ضدا على شريحة همشتها وجودية أناة ، عابثة بفصول هذا الزمن الهارب من تركيبتة الاجتماعية . بعيدة عن أي دم عصابي . يروم دك الهوة بين متوازيين . مستحضرا هذا التفاوت الطبقي . و شعوره بدونية أناته المادية التي تحمله عبء جحيم الدنيا قبل الآخرة .
- عصيرك عمي صابر .
- نعم أي بني ،،، شكرا ،،، باسم الله . يرشف جرعة باردة كنسيم رذاذ في ظهيرة لافحة . الله ،،، الله ،،، أشعر الآن بإنسانيتي يا بني ، و أنا انتشي بجلستي فوق هذه الأريكة المريحة . التي قد تشكو رَخاوَتُها من دبابيس عظامي . ههههههههه . كم حلمت بهذه الفسحة الزائفة بعيدة الأفق . جلسة ألهبت صقيع إحباطاتي المتتالية بكل ألوان العقبات ، المثبتة في شوارع أيامي القاحلة .
- كيف يا عمي صابر . ؟؟؟؟
- ما بالك بكل هذه الحفر و الموانع المرصودة بتمائم إفقارنا . و إخماد النفَـس المتصاعد . الهارب من هول قضبان سجن جيوبنا ، و عرق تحصيلنا المتهالك . ؟؟؟؟
- لم أفهم يا عمي صابر ،،، ؟؟؟؟
- أذبح من الوريد إل الوريد بحلول عيد الأضحى . الأطفال لا يرحمون صحراء جيوبي القاحلة . اُلْبَسُ ديونا و اُخْلَعُ جلدا يكسو عظاما نخرة . تجتر خطواتي القشية اليابسة . يَلفحني الدخول المدرسي و توابعه التي لا تُبقي و لا تذر . أموت ثانية و أنا أصارع شهوات محصلة الشهر الفضيل . لينقض علي العيد بكل ألوانه و مفرداته الجندلية التي تتساقط في قعر جيوبي ، كجمرات بركان ثائر . و لا تجد لها مستقرا . أموت ثالثة و رابعة و خامسة و و و و و ،،،،،،،،،
ترك عمي صابر عصيره على مائدة أناس لا يمتون له بصلة . خوفا من استمراء حلاوة الحصول عليه بطرق غير ،،،،
ليغيب وسط غابة من القفاف الشبيهة بقفته المتهالكة ،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق