الأحد، 6 مارس 2022

أشباح الزمن الهارب .....بقلم الشاعر الحمصي المتارك

 أشباح الزمن الهارب

قصة قصيرة ،،، الحمصي المتارك  ،،،


     و كأنه شبح قادم من العصور الوسطى ببذلته الزرقاء بالية اللون قزمية القامة . يحمل  قفة  أعاد لحمة  قاعها  المهترئ عدة  مرات . تحكي الفاقة و ضعف الحيلة .  حمل بصره المثقل بأوزار  أخطاء المسؤولين  عن  تآكل  قدرته  الشرائية . عند رؤيتي ظننت  أنه  لـــــن يعرفني .

       - كيف الحال يا بني . ؟؟؟  يسلم صابر . ذكرني باسمك . انه  فعل الشيخوخة ، و الأولاد و مشاكل المعيشة .

           قاطعته .

      -  بكل هدوء عمي صابر . أنا نضال . هل نسيت إسمي . ؟؟؟؟ إلى أين . ؟؟؟

      -  كما ترى يا بني ، العِفَة و الزيادة في أسعار القفة .

      يتكلم عمي صابر . و في كل مرة يتطلع بنظره إلى السماء .  دائم الحركة  باليد اليمنى و قفته باليسرى ، لا حراك لها . جامدة جماد صقيع جيبه المثقوب . يلتفت يمنة ثم يسرة ، و كأنه هارب من مشكلة . أو مطاردٌ منْ أشباح . كثيرا ما كلمني عن صاحب البيت الذي يسكنه . و الذي هو عبارة عن غرفة واحدة داخل منزل ، بدورة مياه واحدة . كم كان يضحك و هو يفشي بسر هذا المنزل ، و الذي وصل تعداد سكانه إلى ثمانية و عشرين فردا . ستة عائلات .  تسكن كل واحدة غرفة . الأب و الأم و الأطفال . و منهم من هو في  سن الزواج . لم أتمالك كثمان  غيضي و أنا أسأله .

      -  ألا ترى يا عمي صابر ، أنكم  تفرخون أكثر من اللازم . و العصر غير العصر . ؟؟؟

أجاب بدون تفكير .

      -  كل برزقه ،،،

      -  يا عمي ،،، هذه خرافة أكل عليها الدهر و شرب . و بضحكته المعهودة والخاصة يرد . 

      -   هل تعلم يا نضال بأن طابور الدخول إلى دورة المياه اليتيمة بهذا المنزل . يستغرق  ساعة بالكمال و التمام . ؟؟؟؟ لأقاطعه . 

     -  هيا ،،، هيا عمي صابر لنشرب قهوة . يظهر أنك غير قادر على الوقوف من تعب يومك هذا .

       -  نعم يا بني ، أصبت . إنه البحث عن لقمة العيش . من الساعة السادسة صباحا إلى الخامسة مساء . ناقص ساعة لتناول القليل من خبز حافي . و كوب شاي كوجبة غذاء . ظروف العمل قاسية جدا .

      -  عصير لعمي صابر ،،، 

      - عصير ،،، !!!! ،،؟؟؟؟؟ لم أذقه  مند أن  قذف بي رحم أمي إلى هذه الدنيا . ثم يا نضال ، جيبي ،،، جيبي لا يحتمل وزر سعره .

     -  لماذا يا عمي صابر . ؟؟؟ أ لهذه الدرجة أنت معسر . ؟؟ 

     -  و أكثر . كيف لا أكون معسرا و قد أنهَكَتْني ،،،

      يضع رأسه بين يديه . مطرقا سابحا في سعار هذا الزمن  المكشر عن أنياب  لا تبقي و لا تذر .  ضدا على شريحة همشتها وجودية أناة ، عابثة بفصول هذا الزمن الهارب من تركيبتة الاجتماعية . بعيدة عن أي دم عصابي . يروم دك الهوة بين متوازيين . مستحضرا هذا التفاوت الطبقي . و شعوره بدونية أناته المادية التي تحمله عبء جحيم الدنيا قبل الآخرة .

     - عصيرك عمي صابر .

     -  نعم أي بني ،،، شكرا ،،، باسم الله . يرشف جرعة باردة كنسيم رذاذ في ظهيرة لافحة . الله ،،، الله ،،، أشعر الآن بإنسانيتي يا بني ، و أنا انتشي بجلستي فوق هذه الأريكة المريحة . التي قد تشكو رَخاوَتُها من دبابيس عظامي . ههههههههه . كم حلمت بهذه الفسحة الزائفة  بعيدة الأفق . جلسة ألهبت صقيع إحباطاتي المتتالية بكل ألوان العقبات ، المثبتة  في شوارع أيامي القاحلة .

      -  كيف يا عمي صابر . ؟؟؟؟

      -  ما بالك بكل هذه الحفر و الموانع  المرصودة بتمائم إفقارنا . و إخماد النفَـس المتصاعد . الهارب  من هول  قضبان سجن جيوبنا ، و عرق تحصيلنا المتهالك . ؟؟؟؟

      -  لم أفهم  يا عمي صابر ،،، ؟؟؟؟

      -   أذبح من الوريد إل الوريد بحلول عيد الأضحى .  الأطفال لا يرحمون صحراء جيوبي القاحلة . اُلْبَسُ  ديونا  و اُخْلَعُ جلدا يكسو عظاما نخرة . تجتر خطواتي القشية اليابسة . يَلفحني الدخول المدرسي و توابعه التي لا تُبقي و لا تذر . أموت ثانية و أنا أصارع شهوات  محصلة الشهر الفضيل .  لينقض علي العيد بكل ألوانه و مفرداته الجندلية التي تتساقط  في قعر جيوبي ، كجمرات بركان ثائر . و لا تجد لها مستقرا . أموت ثالثة و رابعة و خامسة  و  و  و  و  و ،،،،،،،،، 

      ترك عمي صابر عصيره  على مائدة أناس لا يمتون له بصلة . خوفا من استمراء حلاوة الحصول عليه بطرق غير ،،،،

 ليغيب وسط غابة من القفاف الشبيهة بقفته المتهالكة ،،،،


الحمصي المتارك  ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق