قصة قصيرة بعنوان / مقايضة
تجري سكينة ، كفراشة تحلق في بستان ، في عيونها بريق أحلام لغد جميل ، يتراءى من بعيد ، كانت ترسمه كل يوم لوسادتها ، فقد كانت كاتم اسرارها . وصلت سكينة البيت ،تصرخت من الفرح " ماما انتهيت من امتحانات السنة السادسة إبتدائي " تمتمت الأم " إن شاء الله خير" لم ترفع رأسها ففي نظراتها حسرة ليل بهيم .
مرت الأيام و الطفلة البريئة تبني أحلامها ، لم تكن أحلاما ، كانت من حق كل طفل ،لكنها كانت تراها أحلاما ، الحق في اكمال الدراسة ، و الخروج من القرية ، الذهاب للمدينة وووو
جاء يوم النتائج ، علقت اللوائح و كانت سكينة من بين الإوائل ،فقد كانت جد مجدة و نشيطة .
عادت من المدرسة و الفرحة تغمرها ، أرادت تقاسمها مع أمها ،بدأت تصرخ من الباب كعادتها " ماما ماما لقد نجحت بتفوق ، كنت من الأوائل " بصوت ملائكي و براءة الطفولة..
لكن حمل أمها كان ثقيلا ، فقد أخبرها زوجها بأنه سيزوج إبنته الطفلة لاقطاعي بالبلدة، ليعفيه من ديونه ..
صمت الأم لم يستمر طويلا ،فجأة قالت " اسمعي سكينة بعد الآن مافي مدرسة و لا دار الطالبة ، ستتزوجين الأسبوع المقبل "
كان كصفعة لم تستيقظ منها سكينة أبدا ، سيبيعون طفولتها ، أحلامها كل أمنياتها في سوق المزايدة ، ستباع بوصل أمان .
تذكرت سكينة قصة الراعي و الغنم و كيف شرحها أستاذها ، حين قال غريب أمر الراعي ، يظل يحمي و يحرس خرفانه يخاف عليها من الذئاب ، و في الأخير يأخذها للسوق للمزايدة عليها ، و يعود فرحا للبيت كأنه ، تخلص من حجر كان يثقل خطواته .
قالت سكينة محتجة " لا أمي لا أريد الزواج هذا اغتصاب مازلت طفلة كيف تفكرون في تزويجي بهذه الطريقة "
أجابت الأم بنبرة الحسرة و الحزن " إذا لم تتزوجي سيأخذون أبوك للسجن لأنه مدين له بمبلغ كبير "
قالت سكينة " لست سلعة أمي ، أنا إبنتكم ، إنسان له رأي و كرامة ، و أنا مازلت طفلة ، مازلت قاصر أمي ، أحلامي ماتزال في المهد أمي "
لم تهتم الأم لكلام الطفلة المصدومة لأنها تعرف أن زوجها قد أخذ قراره بمقايضة الطفلة بوصولات الأمان .
ذهبت الطفلة الصغيرة لمكان نومها ، ارتمت في أحضان الفراش الأرضي ، بدأت تستعرض أحلامها كأنها تودعها ، تخيلت نفسها في كرسي الاعدادية بوزرتها الوردية ، محفظتها على ظهرها ، تجري و تضحك مع رفيقاتها ، تخيلت أنها أصبحت أستاذة ، فهذا كان من بين أحلمها ...
حل الظلام نام الكل ، تأكدت سكينة من أن الكل نيام ، تسللت لغرفة معدات الزراعة ، هناك مكان خاص بأدوية الأرض ، أخذت منها و عادت لمكانها .
تألمت ، اشتد عليها الوجع ، لكنها فضلت الرحيل في صمت ...
جثة هامدة أصبحت عروس المقايضة ، ماتت سكينة في سكون ليلة بيعت فيها براءة الطفولة .
سقطت ورقة المقايضة جثة باردة .
فهل كانت عبرة للأباء الذين يقايضون ديونهم بأحلام الطفولة ، أم أن النزيف سيستمر يسرق زهرات أكبادنا ...!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق