الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

عبودية جواز السفر الأحمر...بقلم سعاد شهيد

 قصة قصيرة بعنوان / عبودية  جواز السفر الأحمر

ذات ليلة باردة ، و الصقيع يتسلل من  الجدران، جلست عائشة تعيد شريط حياتها ، قبل أن تأتي لأرض الأحلام  بكثير .

سمعت أحلامها تستغيث من تحت أنقاض الأيام ، صراخها ملأ المكان..

نغص عليها لحظة صفاء مع ذاتها ، ذكريات ، وجوه ، عطر أمكنة ، صراخ ، ضحكات ، بكاء ...

تذكرت عائشة بيت أهلها الذي أصبحت تراه جنة مفقودة .

قبل اقبار أحلامها ، كانت تراه  موت بطيء ، عيش على رصيف الحياة.

كانت دائما تتدمر و تردد الحياة هناك وراء البحار ، اما هنا فموت بالتقسيط ...

آه ثم آه خرجت آهاتها لتخفيف ما أثقل الصدر المهموم ، فبعد أن استطاعت عائشة الوصول لأرض الأحلام ، أُقبرت أحلامها ، أقدام العنصرية داست على آمالها ، حطمت أشياء جميلة كانت بداخلها .

تذكرت حوارات بينها و بين زوجها الأوروبي :

عائشة فاتورة الكهرباءفي ارتفاع ، لا إضاءة بعد العاشرة مساء.

عائشة الماء جد غال ، لا داعي للاستحمام كل يوم، و ليس من الضروري الوضوء خمس مرات في اليوم ... 

نامي باكرا للاقتصاد في فاتورة التدفئة ، و لفي نفسك في بطانية .

كيف لك عائشة أن تخرسي  الأسئلة بداخلك ، لمحو أمنيات مرسومة في أعماقك ...

عاد صوت زوجها يتردد 

"عائشة لا داعي لاكمال دراستك ، في ماذا سيفيدك ، العمل في البيوت لا يحتاج لشهادات .."..

كل شيء كان مباحا في بيت أهلها ، أصبح مقننا على أرض الأحلام .

لم تعد الأحلام وردية على أرض الخضرة و الخيرات و الحقوق و الحريات ....

تذكرت عائشة كيف فرض عليها العمل في بيوت أصدقائه، و كيف كان يستبيح أخذ نقودها ، و كيف أجبرها على العيش في ضنك و هو ميسور الحال .

و كيف كان و مايزال يحسب عليها ، ثمن ضروريات الحياة و هي من تتعب لجلبه...

عادت إلى ذاكرتها افلاما أمريكية عن زمن الأقنان ، زمن جلب اليد العاملة من افريقيا ...

تمتمت بينها و بين نفسها " ما الفرق بيني و بينهم " ؟!

انتفضت كمن كان محموما و أهرق عليه ماء مثلج .

لماذا أنا هنا ؟! 

لماذا مازلت مستمرة في حياة العبودية ، و أنا مثلي مثله ، نفس الجنسية ، و بجواز سفر أحمر ، ذاك الذي طالما حلمت به ،ذاك الذي كنت أراه منقذي من الفقر و الجهل ، كم حلمت بإتمام دراستي ، بنيل أعلى الشهادات ،و كم  و كم حلمت بالعيش الكريم و كم و كم ....

و الآن كل أحلامي اختزلت في  كسر قيد يكبل أنفاسي، يجثم على صدري، يسلبني كل حقوقي يجعلني أكره الهواء الذي يخترق رئتي لأستمر من بين الأحياء...

لست أمتك سيدي 

سأكسر هذا القفص ، و أخرج للحياة ، لا يهم إلى أين حتى و إن كنت سأعانق سواد الليل ، صقيع الحياة ، أتعثر، أسقط ، أنام في حضن الجوع و البرد لا يهم ...

سأكسر قيد خوفي من المجهول ،

بل سأرتمي في حضن المجهول ...

بقلمي / سعاد شهيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق