يشعر "النمس" بضيق في صدره وانقباض في خلجات نفسه. لقد أمهله" سي النوري" يومين وها هو الآن يتجاوز الأسبوع دون أن يجهز رحل القافلة. فالحضر الصحي الذي فرضته الحكومة على المواطنين توقيا من فيروس كورونا المستجد قنّن صولاته في الأرجاء وجعل دوران الحول على البضاعة شبه مستحيل .لقد تعالت أصوات المحللين من بطّالة وعمال وشيب وشباب حول الأسباب ونواذر العقاب والمشاكل والتداعيات فهبّ النعيق عاليا حول ما قد يترتب عن إغلاق المحلات والمقاهي بعد العصر وعن هجران المسالك الفلاحية التي لا ينقطع عنها جر العربات وهدير محركات الشاحنات وما قد ينجرّ عنه من تعطيل مصالح المواطنين وخاصة عرقلة لمّة الخير التي تعقد هنا وهناك وما يعنيه هو خاصة مجلس السمر لدى وليّ نعمته "سي النوري".
*النمس* ...لم يع أحد سرّ هذا الإجماع على هذه الكُنية فكل من تعامل معه بل وحتى رآه لمرّة يدعوه نمسا .لكن ترى ما تقدير الناس معنويا لهذه الصفة .؟!
لقد فهم صاحبنا على مدار السنين أنه يحضى بخصال تجعله من الرجال التي لا تغيب عن الأعمال ومسالك الأموال وأنه الظلّ لسيده .
مرّت سنون طويلة وهو يقدم لوائح الطاعة لسيده .يقترح يقيم وينجز دون نقاش أو تذمر بل وبرحابة صدر متجددة. إن ما يتميز به من ذكاء وقّاد وفطنة حادة جعل "النوري" لا يعقد أمرا إلا بمشورته كما أن مواهبه المتعددة كالسباحةوالميكانيك ومؤهلاته اللغوية تجعل له المعاملات التجارية أكثر يسرا وأرفع ربحا كما حجزت له مكانة هامة في دواليب السيد و جعلته ساعدا أيمنا بالتبنّي له هامش قار من الربح دون انقطاع الرعاية الاجتماعية لكامل أسرته كما حفظته عاملا مخلصا وعبدا أمينا لوليّ نعمته.
يذكر النمس أنه غادر مقاعد الدراسة من الصف الابتدائي رغم مؤهلاته الطيبة .لقد كان هذا النمس الذي لا يذكر له اسما متقد الذهن شديد الذكاء يستطير بالأمر قبل حدوثه بل ويجهز له من الحلول ما يتعدى التخطيط الأول إلى الثاني .إن تواجده في عائلة كثيرة العدد جعل منه كالموزع الآلي الذي إذا ضغطت عليه استجاب .فهو الراعي لوالديه المسنيْن وهو الحافظ لشؤون إخوته وأخواته وهو الأمين لأسرار سيده وهو المتصرف لمحل الميكانيك الراجع إليه .
والآن قد يذهب بك الظن في صدق نوايا هذا النمس .فإن كان له من الكفاءات المتعددة ومن الرصيد المعنوي ما كان .أما آن له إن يصبح كما يجب أن يكون .
ص12
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق